وقوله : « أعتق رقبة مؤمنة » عند قيام قرينة الندب في أمريهما فيعمل بإطلاق المطلق ويحمل المقيّد على الأفضليّة ونحوها ، أو لا يعتبر ذلك فلا يتفاوت الحال في الحمل على القول بوجوبه بين الإيجابين والندبين فالمندوبات أيضا يحمل مطلقاتها على مقيّداتها؟ ففيه خلاف :
فقيل بالأوّل ونسب إلى الفوائد المليّة ، وقيل بالثاني واختاره صاحب المفاتيح وبعض الفضلاء وبعض الأعاظم في الفصول والإشارات ، وهذا هو الحقّ الّذي لا محيص عنه ، فإنّا لا نعقل فرقا في نحو : « أعتق رقبة » و « أعتق رقبة مؤمنة » بين كون طلبيهما الإيجاب أو الندب في وجوب حمل الأوّل على إرادة « المؤمنة » فإن كان الموجب له على تقدير الإيجاب فهم العرف من غير نظر إلى التنافي فهو قائم على تقدير الندب أيضا ، وإن كان حكم العقل من جهة التنافي دفعا له فهو حاصل على التقديرين ، ضرورة عدم الفرق في تنافي التخيير والتعيين بين الايجابين والندبين ، إذ التنافي حاصل بين الطلب التخييري الّذي هو مقتضى المطلق ولو بضميمة حكم العقل والطلب التعييني الّذي هو مقتضى المقيّد من غير مدخليّة لإيجابيّة الطلب ولا ندبيّته فيه.
مضافا إلى أنّ المانع من الحمل إن كان تعدّد الحكم بمعنى المحكوم به فالمفروض اتّحاده ، وإن كان تعدّد الموجب بمعنى علّة الحكم الشرعي فيهما فالمفروض اتّحاده ، وإن كان تعدّد المتكلّم فالمفروض اتّحاده حقيقة أو حكما ، وإن كان كون مؤدّاهما الحكم الوضعي أو الحكم التكليفي الغير الطلبي فالمفروض كونه الحكم التكليفي الطلبي.
والفارق بينه وبين الأوّلين أنّ كلاّ من الأوّلين كما بيّنّاه إذا تعلّق بالمطلق بمعنى الماهيّة من حيث هي أو بمعنى الحصّة الشائعة كان لازما للماهيّة أو الحصّة الشائعة فلا ينفكّ عن شيء من أفراد الماهيّة الّتي منها المقيّد ولا عن شيء من مصاديق الحصّة الشائعة الّتي منها المقيّد ، فيكون المطلق والمقيّد حينئذ بمنزلة العامّ والخاصّ المتوافقي الظاهر اللذين لا تنافي بينهما فيعمل بعموم العامّ ويجعل الخاصّ تأكيدا أو لبيان الأهمّيّة ونحوها ، بخلاف الحكم التكليفي الطلبي ولو ندبا فإنّه إذا تعلّق بالماهيّة أو الحصّة الشائعة يقتضي امتثالا بإيجاد الماهيّة أو الحصّة الشائعة الّذي لا يتأتّى إلاّ بإيجاد الفرد أو المصداق ، وإذا تعدّدت الأفراد والمصاديق وتساوتا بالنظر إلى الماهيّة أو الحصّة الشائعة ـ حيث انتفى قرينة العهد ودليل التعيين ـ وقع التخيير بينها بحكم العقل لئلاّ يلزم الترجيح من غير مرجّح أو لاستحالته (١).
__________________
(١) كذا في الأصل.