والتقييد في كتابيه أو في موضعين من كتاب واحد إذا تخلّل بينهما فصل معتدّ به بحيث احتمل معه تكرير الاجتهاد وتجديد النظر مع تأدية أحدهما إلى الإفتاء بالإطلاق والآخر إلى الإفتاء بالتقييد فلا حمل ، لعدم التنافي مع تعدّد الاجتهاد واختلاف مؤدّاهما.
ثالثها : كون مفادهما من الحكم الشرعي حكما تكليفيّا لا وضعيّا ، فلو ورد في خطاب : « خلق الله الماء طهورا » وفي آخر : « ماء البحر طهور » لا يحمل الأوّل على الثاني لعدم التنافي ، وكذلك لو قيل : « الكافر نجس » وورد أيضا : « الكافر الحربي نجس » وكذلك لو قال : « الكلب نجس » ثمّ قال : « الكلب السلوقي نجس » وما أشبه ذلك.
والسرّ في عدم التنافي : أنّ الخطاب إذا كان من القضايا الوضعيّة يدلّ في متفاهم العرف على كون الحكم الوضعي من لوازم الماهيّة فيما دلّ على الماهيّة من حيث هي أو من لوازم الحصّة الشائعة فيما دلّ عليها ، وظاهر أنّ لازم الماهيّة لا ينفكّ عن شيء من أفرادها ولازم الحصّة الشائعة أيضا لا ينفكّ عن شيء من مصاديقها ، ومن أفراد الماهيّة ومصاديق الحصّة الشائعة هو المقيّد فيكونان كالعامّ والخاصّ المتوافقي الظاهر ، كقوله : « أكرم كلّ عالم » مع قوله أيضا : « أكرم زيدا العالم » في عدم التنافي المقتضي للعمل بعموم العامّ في جميع الأفراد فيكون المقيّد كالخاصّ في كونه تأكيدا ونحوه ، وكذا الكلام فيما لو كان المطلق وضعيّا والمقيّد تكليفيّا كأن يقول : « الكافر نجس » مع قوله : « اغسل ما يلاقي الكافر الحربي ، أو لا تأكله أو لا تشربه » وما أشبه ذلك.
رابعها : أن يكون الحكم التكليفي فيهما طلبيّا ، فلا حمل في المطلق والمقيّد المحكوم عليهما بالحليّة أو الإباحة كقوله : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ )(١) مع قوله : « بيع السلم حلال » وقوله : « أبحت لكم أكل تربة الحسين عليهالسلام للاستشفاء » مع قوله : « أكل تربة قبر الحسين عليهالسلام للاستشفاء مباح » لما ظهر وجهه في الحكم الوضعي ، فإنّ الحليّة والإباحة أيضا إذا حكم بهما على الماهيّة أو الحصّة الشائعة كانا من لوازمهما فلا تنفكّان عن شيء من الأفراد والمصاديق.
وهل يعتبر في الحكم التكليفي الطلبي فيهما كونه إلزاميّا وهو الإيجاب لا غيره وهو الندب والاستحباب فيكون ذلك خامس الشروط ، فلا يحمل المطلق من المندوبين على المقيّد منهما كما لو قال : « اغتسل للجمعة » مع قوله : « اغتسل للجمعة بماء الفرات » ونحوه لو قال : « زر الحسين عليهالسلام » ثمّ قال : « زر الحسين عليهالسلام يوم عرفة » ونحو هما قوله : « أعتق رقبة »
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.