والمخاطب أنّهما يتّكلان في التفهيم والفهم والإفادة والاستفادة إلى وضع اللفظ ، فالمتكلّم يفيد به الماهيّة تعويلا على الوضع والسامع أيضاً يفهمها تعويلا عليه.
ثمّ الماهيّة المنفهمة من اللفظ من جهة الوضع تنصرف إلى الفرد الشائع المتعارف ، وحاصله أنّ الفرد الشائع المتعارف يراد من اللفظ باعتبار الماهيّة المتحقّقة فيه لا باعتبار الخصوصيّة المأخوذة فيه ، ومرجعه إلى اعتبار الماهيّة المراد من اللفظ لا من حيث هي بل من حيث تحقّقها في ضمن الفرد الشائع المتعارف ، وإنّما يفهم هذه الحيثيّة من الخارج وهو الشيوع والتعارف في الفرد المذكور من دون أن تدخل في المستعمل فيه ، فتكون غلبة الإطلاق الّتي هي المرادة من شيوع الفرد وتعارفه من باب القرينة المفهمة لا من باب القرينة الصارفة كما في الشهرة المعتبرة في المجاز المشهور.
وبذلك يفرّق بين المجاز المشهور والمطلقات المشكّكة ، ويندفع به توهّم التدافع بين اعتبارهم الغلبة في الثانية وعدم اعتبار الأكثر الشهرة في الأوّل ، فإنّ الشهرة فيه تزاحم وضع اللفظ ويصير اللفظ بتساوي احتمالي إرادة المعنى الحقيقي ـ كما يقتضيه الوضع ـ وإرادة المعنى المجازي ـ كما يقتضيه الشهرة ـ مجملا ، والغلبة في الثانية لا تزاحم وضع اللفظ ولا تسقط أصالة الحقيقة فيه عن الاعتبار ، بل الماهيّة المنفهمة من اللفظ من جهة الوضع تنصرف إلى حيث تحقّقها في ضمن الفرد الشائع لشيوعه من جهة غلبة الإطلاق عليه.
وأمّا الثاني : أعني « غلبة الوجود وندرته » فاختلف في كونه منشأً للتشكيك موجباً للانصراف وعدمه ، فقيل بالأوّل ولعلّه المعروف بين الاُصوليّين خلافاً لجماعة منهم غير واحد من مشايخنا العظام ـ قدّس الله أرواحهم ـ لما سمعنا منهم في مجالس مدارستهم من انكار اعتبار غلبة الوجود بانفرادها في انصراف المطلق ، وهو الّذي يساعد عليه النظر بملاحظة طريقة العرف ، بتقريب : أنّه ما من مطلق إلاّ وأفراد الماهيّة فيه مختلفة في غلبة الوجود وندرته ، ونرى أهل العرف في محاوراتهم أنّهم لا يلتفتون إلى هذا النحو من الاختلاف ولا يعتبر غلبة الوجود ، بل يجرون الأحكام المتعلّقة بالمطلقات على الماهيّة من حيث هي ومرجعه من جهة السراية إلى إجراء الأحكام على جميع أفراد الماهيّة من غير تفرقة بين الفرد الغالب والفرد النادر ، ويشهد بذلك مواضع كثيرة في الفروع على ما عليه الفقهاء فيها من إجراء الأحكام على الماهيّة من حيث هي وعدم الفرق بين أفرادها الغالبة وأفرادها النادرة ، ومن ذلك تجويزهم الطهارة عن الحدث ـ وضوءً وغسلا ـ وغسل المتنجّسات