« لا تعتق الرقبة » أو « لا تعتق رقبة » أو تحليلا وإباحة كقوله : « أحلّ الله عتق الرقبة أو عتق رقبة » أو حكما وضعيّا كالطهارة كقوله : « الماء طاهر » والنجاسة كقوله : « البول نجس » أو غير هما ، فالعقل في الجميع بملاحظة السكوت في مقام الحاجة إلى البيان يحكم بعموم هذه الأحكام لجميع أفراد الماهيّة ولجميع مصاديق فرد مّا منها وإلاّ لزم الإغراء بالجهل وهو قبيح.
وبالتأمّل في جميع ما حقّقناه يظهر أنّ العموم في باب المطلقات مدلول التزامي بدلالة الإشارة ، لأنّ العقل بملاحظة الخطاب وملاحظة قبح الإغراء بالجهل يحكم بكون لازم المراد من إيجاب الماهيّة أو الفرد المنتشر منها وجوب أيّ فرد أو أيّ مصداق على البدل ، ومن تحريم الماهيّة أو الفرد المنتشر مثلا حرمة جميع أفراد الماهيّة أو جميع مصاديق الفرد المنتشر ، وأنّ هذه الدلالة قائمة بهيئة الكلام لا بنفس المطلق الّذي هو من مفرداته ، لأنّ العقل بملاحظة إيجاب عتق ماهيّة الرقبة أو الفرد المنتشر منها في المثال المتقدّم الّذي هو معنى المركّب يحكم بكون لازم المراد منه وجوب أيّ فرد أو أيّ مصداق على البدل.
وبعبارة اخرى : هذا المعنى الالتزامي كالمدلول عليه بدلالتي الاقتضاء والإيماء من لوازم المعنى المراد من المركّب.
وبجميع ما قرّرناه من البداية إلى تلك النهاية يعلم أنّ الفرق بين العموم في العمومات والعموم في المطلقات من وجوه :
منها : أنّ الأوّل وضعيّ والثاني عقلي.
ومنها : أنّ الأوّل مدلول مطابقيّ والثاني مدلول التزاميّ.
ومنها : أنّ الدلالة على الأوّل قائمة بالمفرد والدلالة على الثاني قائمة بالمركّب.
ومنها : ما ستعرفه من أنّ الثاني قد يكون بدليّا بخلاف الأوّل فإنّه دائما شموليّ.
ثمّ إنّه كثيرا ما يستفاد العموم الشموليّ في باب المطلقات بطرق اخر غير قبح الإغراء اللازم من السكوت في مقام الحاجة إلى البيان ، من قرينة مقام كورود الخطاب في مقام الامتنان كما في قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً )(١) وقوله أيضا : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ )(٢) أو دليل حكمة كما صنعه المصنّف في نحو قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ )(٣) أو قاعدة سراية كما صنعه بعض الأعلام في نحو المثال ، والوجه في اختلافه مع المصنّف في الطريقة اختلاف نظر هما في جواز تعلّق الأحكام بالطبائع وعدمه ، فمن
__________________
(١) الفرقان : ٤٨.
(٢) الأنفال : ١١.
(٣) البقرة : ٢٧٥.