وأورد عليه أوّلا : بأنّه مجازفة (١) لأنّه تكثير في مخالفة الأصل بخلاف القول الآخر الّذي عليه المحقّقون من أنّها مجرّدة عن اللواحق موضوعة للماهيّات الملحوظة من حيث هي فإنّه تقليل في مخالفة الأصل فيكون أولى ، فإنّا لو فرضنا أسماء الأجناس عشرة مثلا فقد التزمنا فيها بعشرة أوضاع شخصيّة وهذا القائل يلتزم بأربعين وضعا شخصيّا ، ولو فرضناها مائة فقد التزمنا فيها بمائة وضع شخصي وهذا القائل يلتزم بأربعمائة وضع شخصي وهكذا ، فكلّما كثرت أسماء الأجناس كثرت مخالفة الأصل على هذا القول دون القول المختار.
وثانيا : بأنّه ممّا لا دليل عليه بل الدليل ناهض ببطلانه ، فإنّ وضع كلّ إسم جنس لو كان مع كلّ واحد من اللواحق الأربع لكان شخصيّا كما نبّهنا عليه في بيان كون هذا القول تكثيرا في مخالفة الأصل ، ومن حكم الموضوعات بالوضع الشخصي اعتبار نقل الآحاد فيها وهو غير متحقّق في الجميع ، لأنّ لحوق كلّ واحد من اللواحق بكلّ واحد من أسماء الأجناس ليس مسموعا من العرب وهذا آية انتفاء الوضع الشخصي مع اللواحق ، لأنّ انتفاء اللازم يكشف عن انتفاء الملزوم ، فهذا كما ينهض سندا لمنع وجود الدليل على القول المذكور كذلك ينهض دليلا على بطلانه.
لا يقال : إنّه لا يلزم من انتفاء الوضع الشخصي في الجميع مع كلّ واحد من اللواحق ثبوت الوضع الشخصي في الجميع بدون شيء من اللواحق ليكون نتيجة بطلان القول بكون وضع الجميع مع اللواحق لا بدونها ، لإمكان الواسطة وهو كون وضع الجميع مع بعضها شخصيّا ومع البواقي نوعيّا ، ومن الجائز أن يكون مراد القائل : ما ينطبق على ذلك.
لأن ذلك إنّما يستقيم على تقدير تقدّم الوضع الشخصي في الجميع على الأوضاع النوعيّة ، لوضوح أنّ كلّ موضوع بالوضع النوعي إنّما وضع لمعناه النوعي ويدلّ عليه في ضمن مادّة موضوعة دون مادّة مهملة ، وإنّما يعلم ذلك إذا ثبت تقديم رخصة بعضها على بعض ، بأن يقال : رخّص العرب أوّلا في استعمال كلّ لفظ من أسماء الأجناس مع التنوين مثلا لإفادة الوحدة ، ثمّ في استعمال الجميع بنوعها مع « اللام » لسلب الوحدة وإرادة الماهيّة من حيث حضورها في الذهن ، ثمّ مع الألف والنون لسلب ذلك وإرادة الفردين منها وهكذا ، والقول بذلك تحكّم واضح ومجازفة صرفة ، لأنّ هذه اللواحق في استعمالات العرب تتعاور على لفظ واحد على حسب مقتضى المقام من جهة حوائج المستعملين من دون
__________________
(١) القوانين ١ : ١٩٨.