وأمّا الثاني فزعم بعض الفضلاء أنّ منشأ ظهوره إنّما هو أصالة العهد في الإضافة ، على معنى أنّ الإضافة يقتضي الإشارة إلى معهود بين المتكلّم والسامع يكون هو المراد من المضاف ، فإذا كان هنالك قرينة توجب معهوديّة جملة من الأفراد ممّا عدا الجميع كانت الإشارة راجعة إليها وإلاّ كانت راجعة إلى الجميع لكونه المعهود لدى السامع لا ما دونه.
قال الفاضل المذكور : « وإنّما الإشكال في منشأ هذا الظهور ، ولعلّ السرّ في ذلك كون الإضافة بحسب الأصل مقتضية لأن يكون المراد بالمضاف الشيء المعهود عند المخاطب بالإضافة باعتبار كونه معهودا عنده بها » إلى آخر ما ذكره. وقد تبع في ذلك بعض محقّقي النحاة حيث قال فيما حكاه عنه : « تعريف الاضافة باعتبار العهد فلا تقول : « جاءني غلام زيد » إلاّ لغلام معهود بينك وبين المخاطب » انتهى.
وتبعه أيضا نجم الأئمّة على ما حكي قائلا : « هذا أصل وضع الإضافة لكنّه قد يقال : « جاءني غلام زيد » من غير إشارة إلى معيّن كالمعرّف باللام وهو خلاف وضع الإضافة لكنّه كثير في الكلام » انتهى.
وهذا عندنا خلاف التحقيق ، لأنّ أصالة العهد في الإضافة ممّا لا أصل له. ودعوى وضع الإضافة للعهد المستلزمة لكونها في غير العهد [ مجازا ] ممّا لا شاهد له ، بل التحقيق عندنا أنّ المعرّف باللام والمضاف إلى المعرفة وإن كانتا معرفتين إلاّ أنّه يحصل الفرق بينهما في أنّ التعريف في الأوّل وضعي لوضع « اللام » للإشارة ، وتعريف الثاني كسبيّ لأنّ المضاف إنّما يكتسب التعريف من المضاف إليه ، ولذا لا تعريف في المضاف إلى نكرة فيكون المضاف في تعريفه تابعا للمضاف إليه وكما أنّه في أصل التعريف يتبع المضاف إليه فكذلك يتبعه في مقداره ، فإذا قلت : « غلام الرجل » فإن كان « لام » الرجل للعهد إشارة إلى الرجل المعهود بينك وبين المخاطب لحضوره في المجلس مثلا كان مدلول « الغلام » أيضا شخصا معهودا في وجه ستعرفه ، وإن كان لامه للجنس إشارة إلى الجنس المعيّن باعتبار حضوره في الذهن كان مدلول « الغلام » أيضا جنسه المعيّن باعتبار حضوره في الذهن الشامل للقليل والكثير من غير معهوديّة شخص منه كجنس « الرجل »
غاية الأمر أنّه باعتبار إضافته إلى جنس « الرجل » لا يتناول جنس « غلام » جنس المرأة ، وإذا قلت : « غلام زيد » تفيد الإضافة فيه أن يكون المراد من المضاف معيّنا عندك وعند المخاطب ولو باعتبار حضوره في الذهن ، وأمّا كونه شخصا معيّنا معهودا بينكما