وأمّا عن الأخير : فبأنّ احتياج خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصّص ظاهر في أنّها للعموم* (١). على أنّ ظهور كونها حقيقة في الأغلب ، إنّما يكون عند عدم الدليل على أنّها حقيقة في الأقلّ ، وقد بيّنا قيام الدليل عليه** (٢). هذا ، مع ما في التمسّك بمثل هذه الشهرة ، من الوهن*** (٣).
_______________________________
(١) * وضعّف بما محصّله : أنّ الاحتياج إلى قرينة التخصيص بمخصّص ليس لخروج ما خرج بل لبقاء ما بقي ، لا على أنّ المخصّص قرينة مجاز بل على أنّه قرينة مفهمة أو قرينة معيّنة على حدّ ما في المشتركات المعنويّة أو اللفظيّة.
والتحقيق في الجواب : أنّ الغلبة المدّعاة غير متحقّقة على تقدير إرادة غلبة الاستعمال في كلّ مرتبة من مراتب الخصوص وغير مجدية على تقدير إرادة غلبة مجموع الاستعمالات الواقعة على مراتب الخصوص.
(٢) ** هذا جواب آخر محصّله : أنّ غلبة الاستعمال في ظهورها في وضع اللفظ للأغلب دليل تعليقي مراعى بعدم قيام دليل على الوضع للأقلّ بالخصوص ، وقد بيّنّا قيام الدليل عليه وهو التبادر الضروري ومعه لا تأثير للغلبة ، فلا تكون ظاهرة في الوضع للأغلب وإن بلغت إلى ما بلغت.
(٣) *** اعترض عليه بعض الأعلام : « بعدم كون متمسّك المستدلّ هو نفس الاشتهار بل لأنّ ذلك المطلوب له حقيقة والمثل مطابق للواقع حتّى أنّ ذلك المثل أيضا مخصّص في نفس الأمر بـ ( أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(١) » انتهى.
ولقائل أن يقول : بأنّ ظاهر عبارة الدليل إنّما هو الاستناد في دعوى الغلبة إلى الاشتهار فيكون تمام الدليل ، نظير ما لو ثبت صغراه بالظنّ والظهور الناشئ من الشهرة ، فيرد عليه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّ الغلبة الكاشفة عن الوضع للأغلب في نظر العرف إنّما هي الغلبة المقطوع بها لا الغلبة المظنونة ، هذا مع ما يرد على أصل دعوى الاستعمال في الخصوص استنادا إلى هذه القضيّة المشهورة ، فإنّ مفادها ورود تخصيص على كلّ صيغة من صيغ العموم إلاّ ما قلّ منها وندر مثل ( أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(٢).
__________________
(١ و ٢) البقرة : ٢٣١.