ولا ريب أنّ ورود تخصيص على كلّ صيغة لا يستلزم غلبة استعمال كلّ صيغة في الخصوص فضلا عن غلبة استعمالها في كلّ مرتبة مرتبة من مراتب الخصوص ، لأنّه يصدق مع ورود تخصيص واحد وما يقرب منه ، وظاهر أنّ بمجرّد ذلك لا يتحقّق غلبة الاستعمال في الخصوص.
وهذا يتوجّه إلى المستدلّ وإن لم يكن مستنده في دعوى القضيّة المشهورة هو الاشتهار ، بل كانت عنده ثابتة بعنوان القطع مطابقة للواقع بطريق اليقين ، ولهذا القائل شبهات اخر لا تليق بالذكر.
حجّة القول بالتفصيل بين الأمر والنهي والخبر : انعقاد الإجماع على عموم التكليف بالأوامر والنواهي فلو لم يكن الأمر والنهي للعموم لما عمّ التكليف أو كان تكليفا بما لا يطاق ، بخلاف الخبر فإنّه ليس بتكليف مضافا إلى أنّه يجوز وروده بالمجمل من غير بيان كقوله تعالى : ( كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ )(١) وكأنّه أراد من الأمر والنهي المدّعى كونها للعموم مثل قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ )(٢)( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ )(٣)( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ )(٤) باعتبار اشتمالها على « واو » الجمع فيعمّ التكليف المستفاد منها لجميع المكلّفين ، وكذلك نحو : « أكرموا العلماء » و « لا تقتلوا المشركين » ممّا كان متعلّق الأمر والنهي من الألفاظ المدّعى كونها للعموم ، وإلاّ فنفس الأمر والنهي ليسا من الألفاظ المدّعى كونها للعموم.
وكيف [ كان ] فالجواب عنه :
أوّلا : منع عموم التكليف المنساق من الأوامر والنواهي ، لخروج ذوي الأعذار منهما لا محالة ، فالإجماع المدّعى على العموم ممّا لا أصل له.
وثانيا : منع نهوض الإجماع بعد تسليم انعقاده على عموم التكليف لإثبات الوضع للعموم ، بل غايته الكشف عن إرادة العموم.
وثالثا : لزوم الوضع بشرط لو كان ناهضا لإثبات وضعها للعموم في خصوص الأوامر والنواهي وهو أن يقول الواضع : « وضعت هذه الألفاظ بشرط وقوعها في حيّز الأوامر والنواهي » وهو باطل ، لأنّ من دأب الواضع أن يضع اللفظ لمعنى مطلقا لا بشرط شيء من موارد استعماله.
__________________
(١) يس : ٣١.
(٢) البقره : ٤٣.
(٣) الأنعام : ١٥٢.
(٤) النساء : ٥.