الإثم بترك البعض فكان العمل بالعموم أحوط.
وأمّا في الإباحة فظاهر أنّ الخصوص أحوط والأمر سهل.
واعترضه بعض المحقّقين : بأنّه لا يتمّ في الإيجاب أيضا مطلقا ، إذ ربّما كان الخصوص في الإيجاب أيضا أحوط كما في نحو : « اقتل البصريّين » مثلا فإنّ احتمال مخالفة الأمر أهون من قتل النفس المحترمة.
وأنت خبير بأنّ هذه الكلمات ورد على خلاف التحقيق ، إذ ليس المراد بالاحتياط والأحوطيّة هنا ما يرجع إلى مقام التكليف والخطاب الشرعي ، إذ لا ملائمة بين وضع اللفظ والتكليف الشرعي ، بل المراد بهما ما يرجع إلى مقام المحاورة والتخاطب الواقع بين المتكلّم والمخاطب وإن لم يكونا من أهل الشرع بل كانا من منكري الشرائع ، فإنّ مقتضى مقام التخاطب أن يستكمل المخاطب غرض المتكلّم ومقصوده من اللفظ ويحمله على ما لا يفوت معه شيء من غرض المتكلّم ومقصوده ، فالأحوط له من هذه الجهة أن يحمله على العموم إذ لو حمله على الخصوص ربّما يفوت عليه بعض غرض المتكلّم على تقدير كون مراده العموم كما هو محتمل ، بخلاف ما لو حمل على العموم فلا يفوت شيء من غرض المتكلّم بل يحصل غرضه بتمامه على كلا تقديري إرادته العموم أو الخصوص ، غايته أنّه على الثاني يحصل الغرض مع زيادة.
ولمّا كان الغرض من فتح باب الوضع سهولة فهم أغراض المتكلّمين ومقاصدهم فالأقرب إليه والأنسب بحكمة الواضع أن يضع اللفظ بإزاء معنى لا يفوت مع الحمل عليه اتّكالا إلى الوضع وأصالة الحقيقة شيء من غرض المتكلّمين على سبيل الجزم واليقين لا بإزاء معنى يفوت مع الحمل عليه ـ لأجل ما ذكر ـ بعض غرض المتكلّمين في بعض الأحيان ، وهذا هو معنى قول المجيب : « إذ من المحتمل أن يكون العموم هو مقصود المتكلّم فلو حمل اللفظ على الخصوص لضاع غيره ممّا يدخل في العموم » وهذا كما ترى في مقام معارضة دليل الخصم بمثله في كمال المتانة ، وإن كان مثله راجعا إلى ترجيح اللغة بالعقل لابتنائه على جعل الأحوطيّة علّة باعثة على الوضع.
وبالجملة كما أنّ المستدلّ جعل تيقّن الإرادة علّة باعثة على وضع الألفاظ للخصوص فالمجيب بطريق المعارضة جعل الأحوطيّة علّة باعثة على وضعها للعموم أداءا لحقّ الحكمة بتمامها.