على أنّه معارض بأنّ العموم أحوط ؛ إذ من المحتمل أن يكون هو مقصود المتكلّم ؛ فلو حمل اللّفظ على الخصوص لضاع غيره ممّا يدخل في العموم. وهذا لا يخلو من نظر* (١).
_______________________________
الوضع باعتبار كونه علّة باعثة عليه لا حاكم بها إلاّ العقل ، والمفروض أنّه غير حاكم التفاتا منه إلى قيام احتمال كون العلّة الباعثة في نظر الواضع أمرا آخر اقتضى الوضع للعموم ، ولو استند لإثبات حكم العقل إلى حكمة الوضع ـ كما صنعه بعض الأعلام ـ لتتميم الدليل ، يجاب عنه : بأنّ حكمة الوضع علّة باعثة على فتح باب نوع الوضع ولا كلام فيه بل الكلام في شخص الوضع.
ولا ريب أنّ أشخاص الوضع تابعة لحكم خفيّة ومصالح لا يدركها إلاّ الواضع ومن أين ظهر أنّ تيقّن الإرادة من جملة هذه الحكم والمصالح ، ونرى أنّ العقل إذا أورد عليه ذلك كان متحيّرا غير حاكم بشيء كما لا يخفى على المتأمّل المنصف.
ولو سلّم أنّه مع ذلك يحكم بالملازمة الّذي مرجعه إلى الحكم بعلّيّة تيقّن الإرادة فغايته كونه حكما ظنّيّا ، فيتطرّق المنع إلى جواز التعويل عليه لعدم حجّيّة الظنّ في اللغات وأوضاع الألفاظ.
وأمّا ما يقال عليه : من أنّه لا دليل على عدم حجّيّة الظنّ في اللغات بل المحقّق أنّه حجّة وإلاّ لزم انسداد باب الإفادة والاستفادة ، فهو من غرائب الكلام لوضوح منع الملازمة ، فإنّ الأصل الأصيل عدم حجّيّة الظنّ مطلقا حتّى في اللغات والمطالب بالدليل إنّما هو القائل بالحجّيّة لا منكرها ، والاستدلال بلزوم انسداد باب الإفادة والاستفادة لو لا الحجّيّة إنّما يقضي بالحجّيّة في دلالات الألفاظ بعد الفراغ عن إثبات أوضاعها.
وأمّا الأوضاع فلا يلزم ما ذكر من عدم حجّيّة الظنّ فيها لانفتاح باب العلم في غالبها بل القدر المحتاج إليه في مقام الإفادة والاستفادة لوفور الطرق العلميّة بالقياس إليها كما لا يخفى على الخبير البصير.
وقد تقدّم تحقيق القول فيه في أوائل الكتاب عند البحث عن حجّيّة قول اللغويّين ، وسيأتي زيادة تحقيق فيه أيضا في مباحث حجّيّة الظنّ.
(١) * وذكر في وجهه في الحاشية المنقولة عنه : أنّه إنّما يتمّ في الإيجاب حيث يحصل