إذا كان الشرط لا ينوط حصوله بقصد امتثال الأمر بل يحصل وإن لم يكن أمر أو كان ولكن لم يقصد امتثاله.
فاعلم : أنّ الأصل في النهي حيثما ورد مطلقا أن يكون تحريميّا كما سبق تحقيقه في محلّه ، كما أنّ الأصل في الأمر حيثما ورد مطلقا كونه إيجابيّا.
وهل الأصل فيه حيثما وقع في حيّز العبادة كونه إرشاديّا أو تحريميّا؟ ومرجع ذلك إلى أنّ وقوعه في حيّز العبادة هل ينهض قرينة صارفة له عن التحريم إلى إرادة الإرشاد في نظر العرف ، كوقوع الأمر عقيب الحظر في كونه في نظر العرف قرينة على إرادة الرخصة ورفع الحظر أو لا؟ وهذا الكلام لا يختصّ بالنهي بل يجري في الأمر أيضا إذا وقع في حيّز العبادة.
ويظهر ثمرة هذا الأصل في أمرين :
أحدهما : ما تقدّم الإشارة إليه من أنّ مقتضى كونه إرشاديّا فساد العبادة في جميع صوره من دون استثناء شيء منها بخلاف ما إذا كان تحريميّا فإنّه يستثنى منها صورتان.
وثانيهما : الفرق في اقتضاء الفساد بين العالم العامد وغيره وعدمه ، فإنّه إذا كان إرشاديّا واقتضى الفساد لا يتفاوت فيه الحال بين العالم والعامد والجاهل والناسي والساهي بل المختار والمضطرّ إلاّ ما ثبت صحّته بالدليل باعتبار دلالته على كون الشيء شرطا علميّا أو اختباريّا وكذلك الجزء والمانع ، بخلاف ما إذا كان تحريميّا فإنّه لا يقتضي الفساد إلاّ إذا كان فعليّا ، فلا فساد في حقّ الجاهل والناسي والساهي والمضطرّ لاستلزام هذه الأحوال ارتفاع النهي الفعلي.
فالّذي يساعد عليه متفاهم العرف في الأوامر الجزئيّة والنواهي الجزئيّة المتعلّقة بالعبادات بعد ما ورد فيها من عمومات أو مطلقات مقتضية للصحّة فيها على جهة العموم ـ وفاقا لغير واحد من مشايخنا العظام ـ كونها إرشاديّة مرادا بها الكشف عن الواقع وتميّز مورد الصحّة عن غيره ، دفعا لتوهّم عمومها لغيره أيضا نظرا إلى عموم أو إطلاق دليلها بحسب الظاهر ، ومحصّله يرجع إلى بيان تفاصيل ما أجمله الخطاب ولو من جهة ظهوره عموما أو إطلاقا فيما ليس بداخل في المراد فعلا أو فاعلا بإخراج ما ليس منه عن تحته بتخصيص أو تقييد ، وهذا ظاهر لا سترة عليه فلا يحتاج إلى بيان.
وبالجملة أهل العرف لا يفهمون من الأوامر والنواهي الواردة بعد العمومات أو الإطلاقات كقوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) و ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )(٢) إلاّ
__________________
(١) البقرة : ١١٠.
(٢) البقرة : ١٨٥.