الإرشاد الكاشف عن عدم بقاء العموم أو الإطلاق على حالهما ، نظير الأمر الواقع عقيب الحظر المعلوم أو المظنون أو المشكوك أو الموهوم فكما أنّ الأمر بمجرّده وفي نفسه ظاهر في الإيجاب وإذا وقع عقيب الحظر انقلب ظهوره في الإيجاب انقلابا عرفيّا إلى ظهور ثانوي في رفع الحظر ، فكذلك النهي المتعقّب لعموم أو إطلاق وارد في العبادة بل مطلق الماهيّة المجعولة المركّبة ، فإنّه بمجرّده وفي نفسه ظاهر في التحريم وإذا وقع عقيب العموم أو الإطلاق المذكورين انقلب ظهوره الأوّلي في التحريم انقلابا عرفيّا إلى ظهور ثانوي في الإرشاد ، وكأنّ سبق الإطلاق أو العموم قرينة في نظر العرف أوجبت هذا الانقلاب ، بل هو الحقّ الّذي لا محيص عنه.
ثمّ إنّ القطع الضروري حاصل بعدم كون ذلك الظهور أمرا مستحدثا في العرف الحاضر بل هو ثابت عن العرف القديم في كافّة الأعصار وعامّة الأمصار إلى عصرنا هذا ، فيكون كاشفا عن الشرع واللغة على معنى المجاز اللغوي المعتبر إرادته في خطابات الشرع ، وكأنّه مراد من يدّعي اقتضاء النهي لفساد العبادة لغة وشرعا ، وهو المطلوب إذ بدونه لا يكاد يتصوّر له معنى.
ولكن لا يخفى عليك أنّ هذا كلّه إنّما يستقيم في النهي اللفظي إذا كان بصيغة « لا تفعل » أو ممّا اشتقّ من مادّة النهي أو ألفاظ اخر تؤدّي مؤدّى الصيغة غير لفظ « التحريم » ومتصرّفاته فإنّه حيثما وقع كان ظاهرا في الحرمة ، كما أنّ النهي إذا كان معنويّا مستفادا من الأمر بشيء آخر بأيّ وجه من وجوه الاستفادة لم يكن بنفسه مفيدا للإرشاد ، بل هو في جميع مراتبه وخصوصيّاته يتبع سببه الّذي هو الأمر ، فإن كان إيجابيّا كان النهي المستفاد منه تحريميّا وإن كان إرشاديّا كان ذلك النهي أيضا إرشاديّا وإن اشتبه الحال يرجع إلى الأصل.
تنبيهان
الأوّل : قد يقال : إنّ هذا الإرشاد ليس معنى مجازيّا للنهي بل هو بعد على حقيقته ومعناه الحقيقي.
غاية الأمر أنّه إذا لم يكن واقعا عقيب توهّم الصحّة كان ظاهرا عند العرف في النهي الشرعي ومتى ورد عقيبه انقلب الظهور المذكور إلى الإرشاد ، بخلاف الأمر الواقع عقيب الحظر فإنّ رفع الحظر خارج عن حقيقة الأمر غير أنّ قرينة المقام أوجبت ظهورا لمعنى المجازي.
وكأنّ هذا القول مبنيّ على توهّم كون الإرشاد في موارد ثبوته ممّا يتضمّن الطلب