وبهذا البيان علم أنّ النهي عن صلاة الجنب ليس من هذا القبيل ، فلا تكون صلاته من المنهيّ عنه لنفسه ، لأنّ الممتنع دخوله في الوجود هو أفراد أحد النوعين ولذا كان الجنب مخاطبا بالصلاة لتمكّنه من رفع الجنابة (١).
وأمّا المنهيّ عنه لجزئه فهو إمّا لكون الجزء منهيّا [ عنه أو منشأ للنهي عن الكلّ ] لوجوده فيه على صفة مفسدة كشف عنها النهي ، فيستفاد منه كون الجزء المشروع له غيره ممّا لا يوجد فيه هذه الصفة ، أو لفقده مع عدم ثبوت جزئيّته قبل ورود النهي فيستفاد منه كونه جزءا كالنهي عن قراءة العزيمة في الصلاة ، والنهي عن الصلاة مع قراءة العزيمة ، والنهي عنها بلا تكبيرة أو طمأنينة في الركوع أو في القيام بعده هذا في العبادة.
وأمّا المعاملة فمثّل له بعض الأعلام ببيع الغاصب مع جهل المشتري على القول بأنّ البيع هو نفس الإيجاب والقبول الناقلين للملك ، قال : « وأمّا على القول الآخر فالأمثلة كثيرة واضحة » والظاهر أنّ التقييد بجهل المشتري لإخراج المثال عن كونه من المنهيّ عنه لنفسه ، لزعم أنّه عبارة عمّا تعلّق النهي بنفس المعاملة والبيع إذا كان نفس الإيجاب والقبول فتعلّق النهي بنفسه معناه تعلّقه بنفس الإيجاب والقبول أي بهما معا ، وإنّما يكون كذلك مع علم المشتري بالغصب لا مع جهله.
ويشكل : بأنّه لا يستقيم على الضابط الّذي ذكرناه للمعاملة المنهيّ عنها لنفسها ، وهو كون مفاد النهي على تقدير اقتضائه الفساد شرطيّة شيء لأحد أركان العقد ، وعلى هذا فالنهي عن بيع الغاصب على تقدير اقتضائه الفساد يفيد كون الملك شرطا في المبيع من غير فرق فيه بين علم المشتري وبين جهله.
وقضيّة ذلك كونه من المنهيّ عنه لنفسه على التقديرين ، مع أنّ قضيّة البيان المذكور كون المنهيّ عنه لنفسه عبارة عن مركّب نهي عنه بجميع أجزائه ، على معنى كون كلّ من أجزائه منهيّا عنه ، وهذا على فرض تسليمه فإنّما يسلّم لو كان المركّب بجميع أجزائه فعلا
__________________
(١) قال في حاشية التحرير الأوّل من التعليقة بعد تلك العبارة : « وبهذا البيان يمكن اصلاح ما صنعه بعض الأعلام من جعله ذبح الذمّي من المنهيّ عنه لوصفه فإنّه في محلّه حتّى على الضابط الّذي قرّرناه فلا يتوجّه إليه ما قدّمناه ، وإن شئت قلت : إنّ الضابط في المنهيّ عنه لنفسه كون النهي على تقدير إخراجه المورد عن خطاب الصحّة بحيث استلزم خروجه خروج المكلّف عنه أيضا ، على معنى أن لا يكون المكلّف ما دام الوصف العنواني المأخوذ فيه مشمولا لخطاب الصحّة بالصلاة أصلا بخلاف الجنب فإنّه مخاطب بها لا محالة نعم منع عنها حال الجنابة لكون الطهارة الكبرى من شروط الصحّة فكما يجب فعلها فكذا يجب عليه تحصيل شرطها » ( منه ).