يفيد كون حالة الحيض مانعة من أصل التكليف بالصلاة ، ولذا كانت الحائض باعتبار هذا النهي مخرجة من عموم ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) وقضيّة ذلك أن لا تكليف عليها بالصلاة أصلا ، وليس ذلك إلاّ لانتفاء شرط من شروط التكليف أو لوجود مانع من موانعه.
فالاحتجاج للقول المذكور أو تأييده بأنّ مفهوم الصيغة إنّما يرد على المادّة بعد اعتبار قيودها وحيثيّاتها كما في قولنا : « زيد أعلم من عمرو في الهيئة ، وعمرو أعلم من زيد في الطبّ » فإنّ معناه أنّ علم الهيئة في زيد أكثر من عمرو وعلم الطبّ في عمرو أكثر من زيد غير مجد في إثباته ، فإنّ أصل القاعدة مسلّمة غير أنّ القيود المعتبرة مع المادّة قد تكون من الأحوال الراجعة إلى المكلّف فيفيد مفهوم الصيغة الوارد عليها كونها من موانع التكليف أو كون أضدادها من شروطه ، ولذا كان المخرج من خطاب « أقيموا الصلاة » باعتبار مفهوم الصيغة المستلزم للفساد نوع المكلّف وأثره امتناع صدور ماهيّة الصلاة بوصف الصحّة من الحائض ما دامت حائضا.
وقضيّة ذلك كون المنهيّ عنه في هذا الفرض نفس الماهيّة الصلاتيّة الموجب نفيها لامتناع دخول جميع أفرادها في الوجود ، بخلاف المنهيّ عنه لوصفه فإنّ النهي لا يوجب امتناع دخوله في ضمن جميع أفراده في الوجود ، بل غايته على تقدير اقتضائه الفساد امتناع دخوله بهذا الوصف في الوجود خاصّة لا بغير هذا الوصف ممّا هو ضدّه أو نقيضه ، فالمكلّف مخاطب بفعله في ضمن غير هذا الوصف سواء كان الوصف من الوصف الداخل أو الخارج.
وبالتأمّل فيما ذكرناه من ضابط المنهيّ عنه لنفسه ظهر أنّ ما في كلام بعض الأعلام من جعل ذبح الذميّ من المنهيّ عنه لوصفه الداخل ليس بسديد ، ضرورة أنّ الذمّي ما دام ذمّيّا يمتنع منه ماهيّة الذبح على وجه الصحّة لا بعض أفرادها دون بعض.
فمحصّل الجواب عن الاحتجاج المتقدّم : أنّ القيد إذا كان من الأوصاف الراجعة إلى الفاعل يوجب امتناع دخول الماهيّة في الوجود بجميع أفرادها في حقّ هذا الفاعل إذا كان من الأوصاف الغير المقدور على رفعها ليقضي بخروج المكلّف عن خطاب الصحّة ، وذلك كوصف الحيض فإنّه يوجب امتناع دخول أفراد كلّ من نوعي الماهيّة في الوجود وهما الصلاة المتلبّسة بالحيض والصلاة المجرّدة عنه.
أمّا الأوّل : فبمقتضى النهي.
وأمّا الثاني : فلامتناع تكليف ما لا يطاق فإنّه من الحائض غير مقدور.