الموافق للمأمور به إذا اتي به على وجهه من اللوازم العقليّة الغير المقصودة من الخطاب أصالة ولا تبعا لا من الغايات المقصودة منه ، والمراد بالأثر المأخوذ في الحدّ ما يكون من قبيل الغايات المقصودة دون اللوازم العقليّة كالتقرّب ونحوه من المصالح الداعية إلى تشريع العبادة الباعثة على الأمر بها فيكون المعنيان من لوازم هذا المعنى ، ضرورة أنّ العبادة إذا ترتّب عليها أثرها المطلوب من تشريعها يستلزم كونها موافقة للأمر ومسقطة للقضاء على ما هو التحقيق من اقتضاء الأمر الإجزاء.
ثمّ قد عرفت بما نبّهنا عليه أنّ في تفسير صحيح العبادة اختلافا بين المتكلّمين والفقهاء ، وينبغي أن تعلم أنّه نزاع لفظي لا بمعنى كون كلّ مدّعيا لما لا ينكره صاحبه ، ولا بمعنى كون الاختلاف بينهما اختلافا في التأدية والعبارة مع اشتراكهما في المؤدّى ، ولا بمعنى رجوعه إلى الصغرى مع اتّفاق الفريقين على الكبرى ، ولا بمعنى كونه نزاعا في مسمّى اللفظ كما في تعيين معنى « الصعيد » وغيره من الموضوعات اللغويّة أو الشرعيّة ، بل بمعنى كونه اختلافا في جعل الاصطلاح ، على معنى أنّ كلاّ من الفريقين اصطلح اللفظ على أحد المتلازمين على ما هو التحقيق كما سيظهر وجهه من كون المعنيين متلازمين ، نظير ما لو اختلف زيد وعمرو في جعل اصطلاح في لفظ « الشمس » الموضوعة لغة وعرفا للجرم الفلكي المعهود الّذي يلزمه الضوء والحرارة ، فاتّخذها أحدهما اصطلاحا لنفسه في الضوء خاصّة والآخر اصطلاحا لنفسه في الحرارة.
والسرّ في عدم كونه لفظيّا بالمعنى الأوّل والثاني والثالث واضح ، وأمّا عدم كونه لفظيّا بالمعنى الرابع فلأنّ المسمّى الّذي يختلف في تعيينه إمّا لغوي كما في مسمّى « الصعيد » أو عرفي عامّ كما في مسمّى « القارورة » أو شرعي كما في ألفاظ العبادات المعنونة في مسألة الصحيح والأعمّ ، أو عرفي خاصّ كما في مسمّى « الكلام » و « الجملة » عند النحوي ، ولا سبيل فيما نحن فيه إلى شيء من ذلك.
أمّا الأوّل والثاني : فلأنّ « الصحيح » على ما ينساق منه عرفا في الاستعمالات الدائرة على لسان أهل اللسان هو ما سلم عن العيب والخلل ، ومن لوازم سلامته عن العيب أن يترتّب عليه الأثر المقصود منه ، وفي العبادات أن يوافق الأمر ويسقط به القضاء فيكون حقيقة فيه عرفا وكذلك لغة لأصالة عدم النقل ، وهذا ممّا لم يقع الاختلاف فيه بحسب اللغة ولا بحسب العرف ، مع عدم إمكان إرجاع اختلاف الفريقين إلى هذا المعنى لكونه عامّا