هذا ولكن يبقى في المقام إشكال آخر أمتن من الإشكال المذكور ، وهو : أنّ الأمر في حكم العقل كائنا ما كان تابع للمصلحة الكامنة في الشيء ، وقد عرفت أنّها في الواجب المخيّر لا بدّ وأن يشارك في الاشتمال عليها جميع أفراد ذلك الواجب ، بأن تكون قائمة في كلّ منها بانفراده على جهة سواء من غير مزّية ملزمة فيها لبعضها على الآخر ، وإلاّ تعيّن إيجاب ذلك البعض معيّنا أو مع ما يشاركه في الاشتمال على تلك المزيّة ، ويقبح عند العقل التخيير بينه وبين ما خلى عنها بالمرّة وإن اشتمل على حصّة من تلك المصلحة ، كما يقبح التخيير بين المشتمل على المصلحة وما خلى عنها بالمرّة ، بل الحصّة الموجودة فيه على هذا التقدير بالنسبة إلى مقام الإيجاب والإلزام يكون وجودها بمنزلة العدم.
فالزيادة المعتبرة في جانب الأكثر إن كان لها مدخل في تلك المصلحة بحيث لولاها لما كان الناقص مجديا في حصول المصلحة فكيف يجعل الأقلّ فردا من الواجب مع قصوره عن إفادة المصلحة المذكورة ، من جهة خلائه عن الزيادة الّتي ينوط بحصولها حصول المصلحة ، وإن لم يكن لها مدخل أصلا بحيث لولاها لما اختلّت المصلحة في حصولها بحصول الناقص فكيف يجعل كونها جزءا للواجب ، وموجبا فواته لاختلال الامتثال بذلك الواجب كما هو المفروض على القول بوجوب الكلّ.
على انّا نرى بالوجدان أنّ الطبيب في مقام المعالجة لو قام مصلحة علاجه للمريض بثلاثة مثاقيل من دواء خاصّ ليس له عقلا تخيير المريض بينه وبين مثقال أو مثقالين ، كما أنّه لو قامت المصلحة بمثقالين ليس له إيجاب الثلاثة بل ولا تجويز الزيادة إذا أوجبت فسادا في أصل المطلوب ، نعم له أن يخيّره بين الثلاثة ومثقالين من دواء آخر يترتّب عليه ما يترتّب على الأوّل من المصلحة ، والمقام ليس من ذلك في شيء.
ويمكن دفعه أيضا : بأنّ التعبديّات لا تقاس على العقليّات الصرفة ، والعقل قاصر في غالب مواردها عن إدراك ما فيها من المصالح والحكم ، ولذا صار مبنى الشريعة على الجمع بين المفترقات والتفريق بين المجتمعات ، فلم لا يجوز أن يكون في الناقص باعتبار نقصانه نحو خصوصيّة تكافؤ ما في الزائد باعتبار زيادته من هذا النحو من الخصوصيّة ، فلا حظهما الشارع الواقف على حقائق الأشياء متكافئين في الاشتمال على تلك الخصوصيّة المنوطة تارة بالنقصان واخرى بالزيادة ، فأمر بهما معا على جهة التخيير تحصيلا لتلك الخصوصيّة من المصلحة ، ولمّا كان النصّ بظاهره دلّ على إرادة ذلك فيجب علينا الأخذ بموجبه