أحدها : مكروه العبادة كالصلاة في الأماكن والأوقات المكروهة ، فإنّ الفعل راجح بل مانع من النقيض مع وصفه بالكراهة المقتضية لرجحان الترك.
ومن ثمّ قالوا : إنّ المراد بمكروه العبادة ناقص الثواب خاصّة ، وهو اصطلاح مغائر لقاعدة الاصوليّين وموجب لانقسام المكروه إلى معنيين عامّ وخاصّ » إلى آخر ما ذكره.
وإلى هذا المعنى يرجع ما ذكره في المسالك في مسألة كراهة النافلة المبتدئة في الأوقات المكروهة بقوله : « ومعنى كراهة العبادة في هذه المواضع ونظائرها كونها خلاف الأولى فينقص ثوابها عن فعلها في غير هذه الأوقات لا الكراهة المتعارفة » انتهى. على معنى كونه بالقياس إلى أقلّيّة الثواب ونقصانه من باب التفسير باللازم كما يومئ إليه تفريعه.
والظاهر أنّ مرادهم بأقليّة الثواب في توجيه الكراهة ما يمكن معها حمل النهي المتعلّق بالعبادة على الارشاد إليها خاليا عن الطلب ، سواء ورد ذلك النهي بلفظ « لا ينبغي » أو بلفظ « لا تصلّ » و « لا تصم » أو بلفظ « لا صلاة » و « لا صيام » ومرجعه إلى بيان الواقع بصورة الطلب من غير طلب تنبيها للمكلّف على المنقصة اللازمة من الخصوصيّة الباعثة على قلّة الثواب لئلاّ يفوت عنه ما هو الأصلح بحاله في العاجل والآجل من ذي المزيّة الكاملة والعبادة الخالية عن نحو هذه المنقصة.
ولا ريب أنّ أقلّيّة ثواب هذه العبادة بالإضافة إلى غيرها تلازم مرجوحيّة فعلها بالإضافة إلى ذلك الغير ، وهذه المرجوحيّة ـ كما ذكرناه سابقا ـ لا تنافي رجحانها الذاتي ، كما أنّ أقليّة الثواب لا تنافي نوع الثواب المترتّب عليها.
فبذلك يندفع شبهة اتّصاف الشيء الواحد بالرجحان والمرجوحيّة على أنّا نقول : إنّ الرجحان والمرجوحيّة اللاحقين بالأفعال والتروك ليسا إلاّ من قبيل الصفات الاعتباريّة الانتزاعيّة ، فلو اتّصف بهما الشيء الواحد باعتبارين لم يلزم بذلك محال أصلا.
وتوضيحه : أنّ الأصل في الرجحان والمرجوحيّة ما يلحق إحدى كفّتي الميزان ، فالرجحان عبارة عن مزيّة كفّة الموزون وثقلها على كفّة العيار ، والمرجوحيّة عبارة عن نقصانها وخفّتها ، فهما ممّا يستحيل اتّصاف شيء واحد بهما لكونهما من الصفات الحقيقيّة المتضادّة ، فاتّصاف كفّة الموزون بهما اجتماع للمتضادّين في محلّ واحد وهو محال ، وقد غلبا على الأفعال والتروك باعتبار الاشتمال على المصلحة أو المفسدة والخلوّ عنهما تغليبا ناشئا عن انتزاع العقل ، فإنّ الفعل إذا اشتمل على مصلحة فالعقل ينتزع عنه باعتبار اشتماله