منقول أو نصّ خاصّ معتبر ، وحينئذ يقدّم عموم العامّ على ظهور الخاصّ المقتضي للكراهة فيؤوّل الخاصّ ويوجّه الكراهة بما ستعرفه عند الكلام في وجوه التوجيه الّتي ذكرها الأصحاب ، وأمّا التكلّم في وجود دليل خاصّ في هذه العبادات يعتضد به دلالة العمومات فتقدّم على دلالة الخاصّ فهو خارج عن وظيفة هذا الفنّ لكونه من وظائف الفقيه في الفروع ، وإن كان الأظهر عندنا في الجميع ما عدا صيام السفر ـ على ما حقّقناه في الفقه ـ هو الصحّة لقيام الدليل الخاصّ عليها.
وأمّا القسم الثالث : أعني ما تعلّق النهي التنزيهي بأمر خارج عن العبادة أعمّ منها من وجه ، فإنّه اشتهر التمثيل له بالصلاة فرضا أو ندبا والكون في مواضع التهم ، وهذا وإن أمكن المناقشة فيه بمثل ما مرّ في أمر السيّد بخياطة ثوب مّا ونهيه عن الكون في موضع مخصوص باعتبار أنّ الكون المنهيّ هنا ليس جزءا من مفهوم الصلاة بل هو من لوازم الجسم فلم يتّحد مع الصلاة في الوجود ، ولكنّه لا يجدي نفعا في دفع محذور التكليف بما لا يطاق ، لأنّ ما هو لازم للجسم لازم للصلاة الواقعة في موضع التهمة ، وحينئذ ففعل الملزوم امتثالا للأمر يستلزم فعل اللازم فيتعذّر امتثال النهي المتعلّق به ، كما أنّ ترك اللازم امتثالا للنهي يستلزم ترك الملزوم فيتعذّر امتثال الأمر المفروض بالنسبة إليه.
إلاّ أنّ دفع الإشكال هنا أيضا سهل بنحو ما بيّنّاه في القسم الأوّل من منع تعلّق أمر بهذه الصلاة مطلقا من جهة الأمر بالماهيّة من حيث هي ، مع حصول الصحّة لمجرّد انطباقها على الماهيّة المأمور بها من غير حاجة إلى دليل آخر على الصحّة ، ولا إلى تكلّف التوجيه إلى الكراهة ، غاية الأمر حصول الصحّة في ضمن عمل مكروه ولا ضير فيه أصلا.
فظهر ممّا ذكرنا هنا وفي القسم الأوّل أنّ مسيس الحاجة إلى التصرّف في النهي أو إلى توجيه الكراهة مقصور على القسم الثاني بعد مساعدة الدليل على الصحّة ، وقد ذكر القوم في هذا المقام وجوها :
منها : ما ذكره الفاضل التوني في عبارته المتقدّمة (١) واختاره وجعله مشتهرا من أنّ المراد بالكراهة كونه أقلّ ثوابا ، ونقله ثاني الشهيدين في تمهيد القواعد بعبارة : « ناقص الثواب » حيث قال ـ بعد تقسيم الحكم الشرعي إلى الخمسة المشهورة ـ : « ويرد على هذا التقسيم امور :
__________________
(١) الوافية : ٩٦.