منه ولكنّ الإتيان به مع ذلك يفيد الصحّة لمجرّد الانطباق المذكور ، ولا يقدح فيه النهي التنزيهي المتعلّق بها وإن حملناه على الكراهة المصطلحة.
وما تقدّم في تتميم الدليل المختار على منع اجتماع الأمر والنهي من إثبات التخييري بالقياس إلى أفراد الماهيّة المأمور بإيجادها أو بالقياس [ إلى ] الإيجاد الخاصّة المندرجة تحت الإيجاد الكلّي للماهيّة المطلقة ، يمكن منعه بأنّه ممّا لا شاهد عليه من عقل ولا شرع ولا عرف ، بل الّذي يستتبعه الأمر التعييني بإيجاد الماهيّة على حسبما في ضمير الآمر إنّما هو تجويز الإتيان بكلّ فرد منها على البدل ، نظرا إلى أنّ امتثال الأمر بالماهيّة لا يتأتّى إلاّ بإتيان الفرد ولا مرجّح لبعض الأفراد على البعض الآخر ، فاللازم للأمر التعييني بإيجاد الماهيّة على الوجه الكلّي هو هذا التجويز بمعنى الترخيص المعرّى عن الطلب ، وهو الّذي يدركه العقل من باب دلالة الإشارة لا غير ، وهو المراد من التخييري العقلي.
وما تقدّم أيضا من أنّ المنعقد في ضمير الآمر طلب واحد إلاّ أنّه بالاضافة إلى إيجاد الماهيّة تعييني وبالإضافة إلى إيجاداتها الخاصّة تخييري.
يدفعه : أنّ هذا الاعتبار لا يجدي نفعا في انعقاد الأمر بالقياس إلى الأفراد الّتي منها هذا الفرد الخاصّ الّذي هو مورد النهي التنزيهيّ ، لأنّ الإضافة الثانية ممّا تعتبر عند العقل على سبيل الإسناد العقلي المجازي ، ولا عبرة به في إثبات الوجوب التخييري زائدا على الوجوب التعييني بالقياس إلى أصل الماهيّة.
وإذا كان اللازم من الأمر بإيجاد الماهيّة هو تجويز الإتيان بهذا الفرد الخاصّ فمقتضى النهي التنزيهي المتعلّق به أيضا هو تجويز الإتيان به أيضا فهما لا يتنافيان ، فلم يجتمع الوجوب التخييري مع الكراهة المصطلحة في الصلاة في الحمّام ونظائره من الأمكنة المكروهة ، وحينئذ فإن اختار المكلّف الإتيان بما عدا هذا الفرد المكروه امتثل التكليفين ، أمّا الأمر فلأنّه أتى بما ينطبق على الماهيّة المأمور بها وأمّا النهي فلأنّه ترك المنهيّ عنه ، وإن اختار هذا الفرد المكروه امتثل أحد التكليفين وهو الأمر بالماهيّة لإتيانه بما ينطبق عليها وخالف التكليف الآخر لإتيانه بالمنهيّ عنه.
غاية الأمر أنّه فعل مكروها وحصل به امتثال الأمر بالماهيّة لمجرّد الانطباق المذكور من غير أن يكون ذلك المكروه بنفسه مأمورا به حتّى الأمر التخييريّ ، وهو المراد من إمكان تصحيح العبادات المكروهة ممّا له بدل مع بقاء الكراهة على معناها المعروف.