فعلم بما قرّرناه أنّه لا حاجة في هذا القسم إلى صرف النهي التنزيهيّ عن ظاهره ، ولا إلى توجيه الكراهة بأحد الوجوه الآتية.
ولا يذهب عليك أنّه لا يجري البيان المذكور في منع استلزام الأمر التعيينيّ بالماهيّة للوجوب التخييريّ في أفرادها في الصلاة والغصب وغيرهما من أمثلة أصل المسألة ، لأنّ التجويز اللازم من الأمر بالماهيّة من حيث [ هي ] في مورد الاجتماع يناقض المنع منه الّذي كان يقتضيه النهي التحريمي باعتبار التكرار في ذلك النهي ، فيلزم كلّ من اجتماع المتنافيين في محلّ واحد والتكليف بما لا يطاق.
أمّا الأوّل : فواضح.
وأمّا الثاني : فلأنّ المنع المذكور بالنسبة إلى الفرد الخاصّ مانع شرعي عن الإتيان به بعنوان أنّه إتيان بما ينطبق على الماهيّة المأمور بها ، فحينئذ لا بدّ من إرجاع المورد إلى باب التراجيح المقتضي لأحد الأمرين من ترجيح إطلاق النهي على الأمر فيخصّص الماهيّة المأمور بها بما عدا ذلك الفرد ، أو ترجيح إطلاق الأمر على النهي فيخصّص الماهيّة المنهيّ عنها بما عدا هذا الفرد ، وسيأتي الكلام في تحقيق هذا المقام في ذيل المسألة.
وأمّا القسم الثاني : وهو ما لا بدل له ممّا تعلّق النهي التنزيهي بنفس العبادة كالتطوّع بالصلاة في الأوقات الخمس المعروفة ، وبالصوم في الأيّام المكروهة ، أو غيرها كصوم يوم عاشوراء ، وصوم يوم عرفة لمن يضعّفه عن قراءة الدعاء ، وصوم الضيف من دون إذن المضيف وبالعكس ، وصوم الولد بدون إذن الوالد بل الوالدين ، وصوم السفر عند جماعة بل الأكثر ، وإنّما صارت هذه العبادات ممّا لا بدل لها لأنّ الأمر الاستحبابي المفروض فيها مع الكراهة تعيينيّ ، لا بمعنى أنّه مستفاد من خطاب مستقلّ مختصّ بهذه الأفراد بل لثبوته بالعموم الأزماني المستفاد من عمومات التطوّع بالصلاة وعمومات التطوّع بالصيام المفيدتين لاستحباب كلّ ركعتين في كلّ وقت يسعهما واستحباب صوم كلّ يوم.
وإن شئت قلت : إنّ العموم الأزماني إنّما ثبت لكون الأمر الاستحبابي الوارد في المقامين مفيدا للتكرار ، على معنى استحباب كلّ فرد من الأفراد المتمايزة بخصوصيّات الأوقات أو الأيّام الّتي منها هذه الأوقات الخمس وهذه الأيّام المذكورة ، فيكون كلّ فرد موردا للأمر ومأمورا به بالاستقلال.
ومنشأ الإشكال هنا على تقدير الاجتماع وتوارد الأمر الاستحبابي التعييني مع