أمّا القسم الأوّل : وهو ما له بدل ممّا تعلّق النهي التنزيهيّ بنفس العبادة ، فقد عرفت من مطاوي الكلمات السابقة أنّ منشأ الإشكال في الصحّة مع بقاء الكراهة في الصلاة في الحمّام مثلا إمّا لزوم التكليف بغير المقدور من توارد الأمر التخييري والنهي التنزيهي على الصلاة المذكورة ، أو لزوم اجتماع المتضادّين في محلّ واحد ، أو لزوم اتّصاف الشيء الواحد بالرجحان والمرجوحيّة.
وطريق التفصّي عن الإشكال إمّا منع التوارد ، أو منع الملازمة ، أو منع بطلان اللازم ، وهذا الطريق الأخير وإن أمكن إجراؤه بالنسبة إلى الأخير بالتقريب المتقدّم من جواز اجتماع المرجوحيّة الإضافيّة مع الرجحان الذاتي في العبادة ، إلاّ أنّه لا سبيل إليه بالنسبة إلى الأوّلين بعد تسليم التوارد وتسليم الملازمة ، لأنّ استحالة اجتماع المتضادّين في محلّ واحد عقليّة ، وكذلك قبح التكليف بما لا يطاق عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين ، وكذلك الطريق الثاني أيضا بعد تسليم التوارد ممّا لا سبيل إليه كما بيّنّاه سابقا.
وأمّا الطريق الثالث ـ وهو منع التوارد ـ فالظاهر إمكانه بمنع ورود الأمر التخييري بهذه العبادة واجتماعه فيها مع الكراهة المصطلحة مع عدم لزوم البطلان من انتفاء الأمر مطلقا ، وسند المنع يعلم بمراجعة ما قرّرناه في بحث الضدّ عند دفع مقالة الشيخ البهائي من أنّ الأمر بالشيء يقتضي عدم الأمر بالضدّ الموسّع فيبطل إذا كان عبادة من هذه الجهة.
ومحصّل ما قرّرناه ثمّة هو : أنّ عدم الأمر بما يضادّ المأمور به المضيّق من أفراد الضدّ الموسّع وهو الكلّي المأمور به مسلّم ، لأنّ الأمر بالطبيعة الكلّية كالصلاة لا بأفرادها الّتي منها ما يضادّ المأمور به المضيّق كإزالة النجاسة عن المسجد ، فعدم الأمر بهذا الفرد مسلّم ولكنّ البطلان غير مسلّم ، لأنّ صحّة العبادة بمعنى موافقة الأمر أعمّ من الإتيان بنفس المأمور به كما إذا [ كان ] جزئيّا ، والإتيان بما ينطبق على المأمور به الكلّي كما إذا كان فردا من الطبيعة المأمور بها ، بل المدار في صحّة جميع العبادات على القول بتعلّق الأوامر بالطبائع المطلقة بسبب الإتيان بما هو من أفراد الطبيعة إنّما هو الانطباق ، فإنّ الفرد لاشتماله على الحصّة من الطبيعة المأمور بها منطبق عليها وهذا كاف في الصحّة بمعنى موافقة [ الأمر ] بناء على أنّ المراد بها حينئذ موافقة المأتيّ به للمأمور به الكلّي.
وبمثل ذلك يقال فيما نحن فيه أيضا ، فإنّ الصلاة في الحمّام من [ حيث ] إنّها هذا الفرد الخاصّ من طبيعة الصلاة المأمور بها من حيث هي لا تكون موردا للأمر حتّى التخييري