فلا داعي إلى ارتكاب التأويل في نهيه ، لأنّه قدسسره ـ على ما يعطيه التدبّر في كلماته ـ قائل بالصحّة في كلا المقامين كما ربّما يساعد عليه أيضا أصله من جواز اجتماع الأمر والنهي حتّى الاستحباب والكراهة.
وأمّا أهل القول بعدم جواز الاجتماع فهم بين من حكم ببطلان العبادة رأسا صونا لها عن محذور اجتماع المتضادّين ونحوه ، وبين من التزم بالصحّة مع ارتكاب تأويل في وصف الكراهة المتعلّقة بها بأحد الوجوه المذكورة في الباب ، وإنّما دعاهم إلى ذلك ما وجدوه من الدليل الخاصّ على الصحّة من إجماع ونحوه مع وجود النهي ، ولك أن تجعلهما فريقا واحدا إذ لا مجال لأحد إلى إنكار الصحّة مع مساعدة الدليل عليها.
ولذا يظهر من الفاضل التوني الفرق في الصحّة والبطلان المنوط بمساعدة دليل عليها وعدمها بعد ما صرّح بامتناع الكراهة بمعناها المعروف في كلّ ممّا له بدل وما لا بدل له ، حيث قال :
« الرابعة : أن يتعلّق الأمر الإيجابي الحتمي والنهي التنزيهيّ بأمر واحد شخصي وهذا أيضا غير جائز لما مرّ.
الخامسة : أن يتعلّق الأمر الإيجابي التخييريّ والنهي التنزيهيّ بأمر واحد شخصيّ كالصلاة في الحمّام ونحوه من الأماكن المكروهة ، وهذا أيضا ممتنع إذا كان المكروه بمعناه المعروف وهو راجحيّة الترك ، فما تعلّق به هذا النهي من العبادات فالظاهر بطلانه ما لم يدلّ دليل على صحّته ، وما دلّ الدليل على صحّته يجب حمل الكراهة فيه على غير معناها الحقيقي ، فلهذا اشتهر أنّ متعلق الكراهة ليس نفس العبادة بل أمر آخر كالتعرّض للنجاسة أو لكشف العورة أو نحو ذلك في كراهة الصلاة في الحمّام فاختلف المتعلّق ، ويقولون : إنّ الحرمة غالبا يتعلّق بالذات والكراهة بالوصف ، وهذا خلاف النصوص الدالّة على تعلّق الكراهة بنفس الفعل مثل « لا تصلّ في الحمّام » ونحوه.
والحقّ : هو ما اشتهر من أنّ الكراهة في العبادات بمعنى كونها أقلّ ثوابا بنسبة خاصّة » (١). وأورد عليه السيّد الشارح : « بأنّه لا يدفع الإشكال ، لأنّ ما هو أقلّ ثوابا يكون مطلوب الترك للنهي عنه كما هو المفروض ، فيلزم طلب الفعل الواحد الشخصي وطلب تركه وهذا تكليف بالمحال ، واجتماع الرجحان والمرجوحيّة وهو اجتماع الضدّين » وتبعه في هذا الإيراد بعض الأعلام.
__________________
(١) الوافية : ٩٤.