فأجاب عنه بأنّه : « لا مانع عقلا من أن يترتّب على ماهيّة من حيث هي مصلحة لا تنفكّ عن فعلها في جميع الأوقات والأحوال ويفوت بتركها من حيث هو تركها ، وتترتّب على ما يلازمها من الأوصاف الحقيقيّة أو الإضافيّة مفسدة تفوت بتركه من حيث هو تركه ، فربّما كانت تلك المفسدة شرّا كثيرا بالنسبة إلى تلك المصلحة ولكنّها لا تبلغ حدّا يقتضي تحريم الفعل وقطع النظر عن المصلحة بالمرّة فلهذا نهى الشارع عنها تنزيها ، وفي الحقيقة تعلّق النهي بالوصف ولكنّه لمّا كان ترك الوصف تبعا لترك الموصوف يتراءى أنّ المطلوب ترك الموصوف.
ويظهر التبعيّة من قولنا : « ترك الصوم فلم يقع في السفر ، وترك الصلاة فلم يقع في الوقت المكروه ».
فظهر أنّ الراجح المثاب عليه هو فعل العبادة من حيث هو فعلها ويلزمه مرجوح وهو وقوع الوصف ، والمرجوح ترك العبادة من حيث هو ولا ثواب عليه ويلزمه راجح وعليه الثواب ، فالعبادة مندوبة مستلزمة لمكروه يكون وجوده تابعا لفعلها » انتهى.
فقد ظهر منه أنّه رحمهالله لا يفرّق في الحكم بالصحّة مع الكراهة المصطلحة بين ما له بدل من العبادات وما لا بدل له ، لزعمه تعدّد متعلّق الحكمين باعتبار ذات الموصوف ووصفها.
ومن الأعلام (١) من وافقه في هذا التكلّف مع مصيره إلى عدم الفرق أيضا ، غير أنّه فصّل فيما لا بدل له فجعل الأظهر في صيام السفر الكراهة وفي التطوّع في الأوقات المكروهة عدمها ، بعد ما أطلق في سابق كلامه في القول بترجيح جانب الكراهة وتغليبها على جانب الرجحان تعليلا بعدم خروج النهي خاليا عن الفائدة.
وستسمع ما في أصل التكلّف الّذي ارتكبه مع السيّد المذكور من الوهن والفساد ، مع إمكان المناقشة في تفصيله المذكور بكونه تحكّما وفرقا بلا فارق يعتمد عليه ، لأنّ المحافظة على النهي عن خروجه عن الفائدة في صيام السفر إن صلح وجها لترجيح الكراهة لجرى ذلك في التطوّع في الأوقات المكروهة أيضا ، والاعتذار عنه : بأنّ النهي هاهنا بعد ارتكاب التأويل فيه بالحمل على قلّة الثواب مثلا لا يخرج عن الفائدة ، يدفعه : المعارضة بإمكان هذا التأويل في نهي الصيام في السفر.
لا يقال : إنّ التزام التأويل هنا إنّما هو لقيام دليل من الخارج من إجماع ونحوه على صحّة التطوّع في الأوقات المكروهة مع فرض ورود هذا النهي ، بخلاف صيام السفر
__________________
(١) القوانين ١ : ١٤٥.