إجتماع المتضادّين وغيره من محاذير اجتماع الأمر والنهي ، نظرا إلى أنّ الأمر فيها إيجابا أو ندبا يقتضي طلب الفعل مع رجحانه على الترك والنهي عنها تنزيها يقتضي طلب الترك مع رجحانه على الفعل والرجحان والمرجوحيّة متضادّان ، فالمجوّزون لاجتماع الأمر والنهي استراحوا فيها بما صاروا إليه في أصل المسألة من اعتبار تعدّد الجهة الموجب في زعمهم لتعدّد متعلّقي الحكمين.
قال السيّد الفاضل الشارح للوافية : « وإذا أمرنا بالصلاة مطلقا من غير تقييد ونهانا عن إيقاعها في الحمّام ، فعلى القول المنصور وهو أنّ الأمر يتعلّق بإيجاد الطبيعة فالظاهر جواز الصلاة وعدم مانع لاجتماع الوجوب والكراهة ـ بالمعنى المصطلح ـ لأنّ تعدّد المتعلّق ظاهر ، إذ متعلّق الأمر نفس الحقيقة الّتي يمكن وجودها في غير الحمّام ، والمنهيّ عنه الّذي اختاره المكلّف هو الإيقاع في الحمّام من حيث هو كذلك ، فمتعلّق الكراهة في الحقيقة هو الوصف أعني الهيئة العارضة للفعل باعتبار كون فاعله في هذا المكان ، على أنّه لا مانع من اتّصاف ذات الفعل من حيث هي هي بالوجوب واتّصافها مع الوصف بالكراهة ، وقوله : « لا تصلّ في الحمّام » نهي عن الفعل المقيّد أو عن القيد لا عن ذات الفعل في الحمّام.
ودعوى : أنّ العبادة يجب أن تقع راجحة من جميع الجهات وأن لا يكون فيها جهة مرجوحيّة ولو كانت قائمة بوصف عارض لها ، دعوى لا شاهد عليها. ولا احتياج لتصحيح العبادة إلى ارتكاب أنّ الكراهة ليست بمعناها المصطلح عليه بل بمعنى قلّة الثواب ، إذ لا مانع من أن يستحقّ المكلّف الثواب الكامل الّذي يكون عوضا عن إيقاع الصلاة ويستحقّ أيضا الشيء الّذي يستحقّه من يفعل المكروه ».
ثمّ أورد على نفسه بأنّه : « ما تقول في عبادة نهى عنها الشارع نهي تنزيه؟ وهي مستلزمة لوصف مرجوح لا ينفكّ عنها كالصلاة في الأوقات المكروهة تطوّعا ، والصيام في السفر كذلك ، لأنّ هذه الصلاة لا يمكن وقوعها في غير هذا الوقت وكذا الصيام ، لأنّ كلّ وقت يصحّ فيه التطوّع فهو وظيفته المختصّة به ولا يسع أن يقع فيه غيره ، وكذا الأوقات الحضريّة للصيام يكون صيامها وظيفتها لا تسع غيره ، فكيف تكون مثل هذه العبادة مع كونها عبادة متّصفة بالكراهة؟ إذ كونها عبادة يقتضي تعلّق الطلب به وكونه ملزوما لهذا الوصف يقتضي طلب تركها ولا يجوز للشارع العالم بالاستلزام أن يتعلّق طلبه بفعل مثل هذا الأمر وليس هناك حقيقة مأمور بها واخرى منهيّ عنها مع جواز الانفكاك بينهما ».