الكون الّذي هو جزؤها بعض جزئيّاته ؛ إذ هو ممّا يتحقّق به. فاذا أوجد المكلّف الغصب بهذا الكون ، صار متعلّقا للنهى ، ضرورة أنّ الأحكام إنّما تتعلّق بالكلّيّات باعتبار وجودها [ في ضمن الأفراد ] ، فالفرد الّذي يتحقّق به الكلّيّ هو الّذي يتعلّق به الحكم حقيقة. وهكذا يقال في جهة الصلاة ، فانّ الكون المأمور به فيها وإن كان كلّيّا ، لكنه إنّما يراد باعتبار الوجود. فمتعلّق الأمر في الحقيقة إنّما هو الفرد الّذي يوجد منه ، ولو باعتبار الحصّة التي في ضمنه من الحقيقة الكلّية ، على أبعد الرأيين في وجود الكلّيّ الطبيعيّ.
وكما أنّ الصلاة الكلّيّة تتضمّن كونا كلّيّا ، فكذلك الصلاة الجزئيّة تتضمّن كونا جزئيّا ؛ فاذا اختار المكلّف إيجاد كلّيّ الصلاة بالجزئيّ المعيّن منها ، فقد اختار إيجاد كلّيّ الكون بالجزئى المعيّن منه الحاصل في ضمن الصلاة المعيّنة. وذلك يقتضي تعلّق الأمر به. فيجتمع فيه الأمر والنهي ، وهو شيء واحد قطعا.
فقوله : « وذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما ، الخ » ، إن أراد به خروجهما عن الوصف بالصلاة والغصب ، فمسلّم ، ولا يجديه ؛ إذ لا نزاع في اجتماع الجهتين ، وتحقّق الاعتبارين ، وإن أراد أنّهما باقيان على المغايرة والتعدّد بحسب الواقع والحقيقة ، فهو غلط ظاهر ومكابرة محضة ، لا يرتاب فيها ذو مسكة.
وبالجملة فالحكم هنا واضح ، لا يكاد يلتبس على من راجع وجدانه ، ولم يطلق في ميدان الجدال والعصبيّة عنانه.
_______________________________
النهي إمّا يتعلّق بنفس العبادة أو بأمر خارج عنها كالكون في مواضع التهم.
وعلى الأوّل إمّا أن يكون المنهيّ عنه ممّا له بدل كالصلاة في الحمّام أو معاطن الإبل أو غيرها من المواضع المكروهة ، أو يكون ممّا لا بدل له كالتطوّع بالصلاة في الأوقات المكروهة وبالصوم في السفر ، فضابط الفرق بينهما : أنّ الأمر المفروض مع النهي في العبادة إن كان تخييريّا فهي ممّا له بدل وإن كان تعيينيّا فهي ممّا لا بدل له.
واختلفت كلمة الأصحاب في توجيه الكراهة فيها على وجه تسلم عن محذور