ومن الأعلام من قرّر الدليل على وجه لا يجري على المذهب الثاني فقال : « إنّ الحكم إنّما تعلّق بالطبيعة ـ على ما أسلفنا تحقيقه ـ فمتعلّق الأمر طبيعة الصلاة ومتعلّق النهي طبيعة الغصب وقد أوجدهما المكلّف بسوء اختياره في شخص واحد ، ولا يرد من ذلك قبح على الآمر لتغاير متعلّق المتضادّين ، فلا يلزم التكليف بالمتضادّين ، ولا كون الشيء الواحد محبوبا ومبغوضا من جهة واحدة ».
ثمّ أورد على نفسه بما يرجع إلى لزوم اجتماع المتضادّين في الفرد من جهتي المقدّميّة فعاد المحذور.
وأجاب بما يرجع تارة إلى منع وجوب المقدّمة.
واخرى إلى منع المقدّميّة ، لعدم توقّف المأمور به على هذا الكون الخاصّ بل غايته التوقّف على فرد مّا من الكون.
وثالثة إلى تسليم الاجتماع ومنع بطلان اللازم ، بناء على أنّ وجوب المقدّمة توصّلي فلا مانع من اجتماعه مع الحرام.
ورابعة إلى تسليم الامتناع وغايته كون الفرد محرّما صرفا لكنّه لا يقدح في الصحّة لمكان سقوط الواجب بالحرام ، وغايته سقوط التكليف بسبب حصول الطبيعة في الخارج وذلك لا يستلزم كون المقدّمة مطلقا مطلوبة للآمر ، إلى آخر ما ذكره (١).
ومنها : ما اعتمد عليه جماعة منهم بعض الأعلام (٢) من أنّه لو لم يكن تعدّد الجهة مجديا في اجتماع الأمر والنهي لما وقع ، والتالي باطل بالإجماع كما في العبادات المكروهة ، أمّا الملازمة : فلأنّه لا مانع من الاجتماع إلاّ التضادّ وهو لا يختصّ بالوجوب والحرمة بل يتأتّى فيه وفي الندب مع الكراهة أيضا ، فإنّ الأحكام كلّها متضادّة ، فلو لم يكن تعدّد الجهة مجديا في الواحد الشخصي للزم القبح والمحال ، مع أنّ هذا يدلّ على المطلوب بطريق أولى ، إذ النهي في المكروهات تعلّق بنفس العبادات دون ما نحن فيه.
وقد يلحق بالعبادات المكروهة في النقض امور اخر ممّا وقع في الشرع منها : الصلاة في المسجد وغيرها من الأفراد المستحبّة للواجب نظرا إلى أنّ الوجوب والاستحباب [ أيضا متضادّان ](٣).
ومنها : أفضل فردي الواجب التخييري لكونه مستحبّا مع وجوبه.
__________________
(١) القوانين ١ : ١٤٠ ـ ١٤١.
(٢) القوانين ١ : ١٤٢.
(٣) أضفناه لاستقامة العبارة.