« إن ارتكبت النهي ضربتك ، وإن امتثلت الأمر فأعتقتك » فخاط الثوب في هذا المكان فيحسن من السيّد أن يضربه ويعتقه ويقول : « أطاع بالخياطة وعصى بدخول المكان » فالخياطة من حيث هي غير ممنوع عنها قطعا ، بل ربّما يتعدّى بإجراء هذا الدليل أو ما هو أصرح منه فيما لو كان المنهيّ عنه أخصّ من المأمور به كما عن الفاضل الباغنوي ـ على ما حكاه السيّد صدر الدين في شرح الوافية ـ من أنّه عند ذكره الوجه المذكور للمجوّزين مع اختياره الجواز ، قال : « بقي الكلام في أنّ هذا الدليل هل هو جار فيما إذا صحّ الانفكاك من أحد الجانبين كما إذا نهاه عن الخياطة في الحرم وأمره بالخياطة ، فإذا خاطه في الحرم فلا شكّ في أنّه عاص لمخالفته النهي فهل هو مطيع للآمر؟ والظاهر أنّه مطيع لأنّه لم يقيّد أمره بالخياطة بأن لا يكون في الحرم ، فلعلّ غرضه في الأمر مجرّد خياطة الثوب مجرّدا عن قيد عدم كونها في الحرم ، وجعل النهي قرينة للتقييد ارتكاب للمجاز وإبقاء كلّ من الأمر والنهي أولى من تخصيص أحدهما ، فيكون معنى كلامه : « أنّك لا تفعل الخياطة في الحرم ، فإنّك لو فعلتها فيه لعاقبتك لكن يحصل ما هو مطلوبي بالأمر لأنّ مطلوبي بالأمر خياطة الثوب في مكان مّا أيّ مكان كان » ولا يخفى أنّ هذا معنى صحيح غير مخالف للّغة ولا للعقل ولا يحتاج فيه إلى ارتكاب التخصيص في الأمر فلنحمل عليه إلى آخره.
ومنها : ما قرّره جماعة منهم المصنّف بقوله : « لو امتنع الجمع لكان باعتبار اتّحاد متعلّق الأمر والنهي إذ لا مانع سواه اتّفاقا ، واللازم باطل إذ لا اتّحاد في المتعلّقين » إلى آخر ما ذكره.
وهذا التقرير من الدليل كما يجري على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع فكذلك يجري على القول بتعلّقها بالأفراد ، ولذا ترى أنّ ابن الحاجب مع قوله بذلك قرّر الدليل هكذا : « وأيضا لو لم يصحّ لكان لاتّحاد المتعلّقين إذ لا مانع سواه اتّفاقا ، ولا اتّحاد لأنّ الأمر للصلاة والنهي للغصب واختيار المكلّف جمعهما لا يخرجهما عن حقيقتهما » وظاهر أنّ الحقيقة على المذهب الأوّل يراد بها الماهيّة الكلّية الموجودة في ضمن الفرد الخارجي. وعلى المذهب الآخر يراد بها الشخص المعنون تارة بالصلاتيّة واخرى بالغصبيّة ، ودعوى عدم الاتّحاد بينهما بمجرّد اختيار المكلّف جمعهما مبنيّة إمّا على ما قيل : من أنّ الاتّحاد في الوجود الخارجي لا يوجب ارتفاع الاثنينيّة في الحقيقة أو على ما يمكن أن يقال : إنّ الاتّحاد المستحيل معه اجتماع الضدّين ما إذا كان متعلّقهما واحدا ذهنا وخارجا لا خارجا فقط دون الذهن.