باعتبار أنّه امتثل الأمر بكلّي إكرام العالم وخالف النهي عن كلّي إكرام الفاسق ، فالفرق بينهما في الحكم بتجويز الاجتماع في الأوّل ومنعه في الثاني تحكّم واضح.
وبالجملة فكون ماهيّة الإكرام ممّا يعرضه الشخصيّة باعتبار تعلّقه بشخص من العالم أو الفاسق لا يقضي بكون الشخصيّة معتبرة في جميع مقاماتها الّتي منها وجوده الذهني في لحاظ المولى عند إرادة إنشاء حكم له عملا بما فيه من المصلحة والمفسدة ، وكما أنّ التشخّصات الموجبة للفرديّة من لوازم الأفراد فكذلك المصالح والمفاسد من لوازم الطبائع ، والأحكام تابعة للوازم الطبائع لا التشخّصات اللازمة للأفراد.
ولا ريب أنّ التابع يتبع متبوعه في جميع أحواله ، فإذا كان إكرام العالم من حيث كونه ماهيّة متقيّدة بماهيّة اخرى ماهيّة ثالثة حاصلة بالجعل والاعتبار وإكرام الجاهل من حيث كونه ماهيّة متقيّدة بماهيّة اخرى ماهيّة رابعة متولّدة من الجعل والاعتبار ، وكان كلّ من هاتين الماهيّتين مشتملة في نظر الجاعل على صفة كامنة فيها من مصلحة ومفسدة فأيّ داع إلى صرف الحكمين التابعين لهاتين الصفتين عن هاتين الماهيّتين إلى أفرادهما حتّى يلزم من ذلك إشكال اجتماع المتضادّين بالنسبة إلى مورد الاجتماع في محلّ واحد شخصي؟
والرابع : منع دعوى الانفهام العرفي لتعلّق الحكم بالأفراد وتعليله بكون « اللام » في مثل « العالم » للعهد الذهني وفي الفاسق للاستغراق عليل ، لأنّ المفرد المعرّف باللام لتعريف الجنس واللفظ ظاهر فيه ، والأصل في استعماله الحقيقة ولا صارف في اللفظين عنها بحيث أوجب انفهام عهد الذهن في الأوّل والاستغراق في الثاني.
وعلى هذا فلا فرق بحسب اللفظ بين « أكرم » و « صلّ » و « لا تكرم » و « لا تغصب » في وجوب الأخذ بمقتضى الوضع الأوّل ، مع أنّ أهل العرف لا يرتّبون الأحكام في متفاهمهم إلاّ على ما يساعد عليه عقولهم ، وإذا فرض أنّ العقل لا يأبى تعلّق الحكم بالطبائع ولا اجتماع الأمر والنهي كما هو مبنى الوجه الرابع مع عدم مساعدة الوضع اللغوي إلاّ على إيجاب الطبيعة وتحريمها فأيّ شيء يصرفهم عن ذلك إلى جعل المورد أفراد تلك الطبيعة ، فلا محالة يقال : إنّهم يعاملون في متفاهماتهم خلاف ما هو مقتضى قواعد لسانهم ، أو أنّهم يكابرون عقولهم أو يلزمونها على إنكار ما لا تحيله ، وكلّ ذلك كما ترى ممّا لا ينبغي التفوّه به ، وسيلحقك في دفع قول المفصّل واحتجاجه مزيد تحقيق في ذلك.
فالوجه في الفرق بعد تصحيح ما نسب إليهم في باب التعادل والتراجيح هو أحد