بخلافه في المقام الثاني فإنّ متعلّق التكليفين ليس إلاّ فعلا واحدا وهو الإكرام ، إذ لا تغاير بين الإكرام المأمور به والإكرام المنهيّ عنه ، ولذا يصدق فيمن صلّى في الدار المغصوبة أنّه أتى بصلاة وغصب ، ولا يقال على من أكرم العالم الفاسق أنّه أتى بإكرامين أو بإكرام وإكرام.
ومنها : أنّ الإكرام في نحو المثال المذكور من قبيل السواد والبياض اللذين يعرضان الأفراد أوّلا وبالذات ولا تعلّق لهما بالطبائع إلاّ ثانيا وبالعرض ، فكما أنّ السواد الموجود في الأعيان لا يتكثّر بتكثّر ما فيها من الإضافات ولا يتعدّد بتعدّد اعتباراتها ، فلا يقال على سواد العباء المتّخذ من الصوف وهو منسوج وملبوس مثلا ، سواد عباء وسواد صوف وسواد منسوج وسواد ملبوس وهكذا بالقياس إلى سائر الاعتبارات اللاحقة به ، فكذلك الإكرام المتعلّق بالعالم الفاسق فلا يقال عليه : إكرام عالم وإكرام فاسق ، فيكون الحيثيّة في العالميّة والفاسقيّة تعليليّة صرفة ، كما أنّ الحيثيّة في العبائيّة والصوفيّة والمنسوجيّة والملبوسيّة كانت تعليليّة صرفة ، ومن لوازم الحيثيّة التعليليّة اتّحاد المحيّث بها في حدّ ذاته وإن تعدّدت الحيثيّة ، بخلاف الحيثيّة الصلاتيّة والحيثيّة الغصبيّة فإنّها تقييديّة ومن خواصّها تعدّد المحيّث عند تعدّدها.
ولا ريب أنّ وحدة المحيّث ممّا يوجب استحالة توارد المتضادّين عليه كما أنّ تعدّده ممّا يصحّح تواردهما عليه ، نظرا إلى أنّ المستحيل اجتماع المتضادّين في محلّ واحد لا في محلّين متّحدين في الوجود.
ومنها : أنّ أهل العرف في مثل « أكرم العالم » و « لا تكرم الفاسق » لا يفهمون إلاّ تعلّق الحكم بالأفراد.
أمّا في الأوّل : فلحملهم « اللام » على العهد الذهني كما صرّح به أهل المعاني والاصول.
وأمّا الثاني : فلظهوره في الاستغراق ، وإذا كان الأمر في متعلّق الإكرام بهذه المثابة فيسري إلى نفس الإكرام من باب التبعيّة ، بخلاف مثل « صلّ » و « لا تغصب » فلفظ « أكرم » و « صلّ » و « لا تغصب » وإن كان بحسب الوضع الأوّلي لا يفيد إلاّ إيجاب الطبيعة أو تحريمها إلاّ أنّ قيام القرينة العرفيّة الكاشفة عن إرادة الفرد في الأوّل دون الأخيرين أوجب هذا الفرق.
وحاصل الوجوه : أنّ متعلّق الأمر والنهي في « أكرم العالم » و « لا تكرم الفاسق » أمر واحد والكلّ متّفقون على عدم جواز الاجتماع فيه فهو خارج عن محلّ الكلام.
ولئن سلّمنا تعدّد المتعلّق فيهما أيضا واختلافهما بحسب اختلاف المضاف إليه