ومن نفى كونه للتكرار ، نفى الفور أيضا* (١). والوجه في ذلك واضح.
___________________________________
وهذا جيّد لو ثبت القول بالتراخي على أحد الوجهين هنا ، ولكنّه لم نقف على قائل به ولا حكاه أحد ، وكان إطلاق المصنّف وغيره في الحكم بلزوم الفور للدوام مبنيّ على انتفاء القول به فيكون الإيراد المذكور في غير محلّه.
(١) * ويشكل ذلك : بأنّا نرى أنّ قوله للمتشاغل بضرب زيد : « لا تضرب زيدا » لا يفيد التكرار مع إفادته الفور جزما.
إلاّ أن يوجّه : بأنّ المراد من نفي الفوريّة على القول بعدم التكرار نفي لزومها لا نفي إمكانها ، ولكن يشكل ذلك أيضا بعدم ثبوت تلك الدعوى على سبيل الكلّيّة كما يقتضيه ظاهر العبارة ، بل الّذي يظهر منهم وقوع الخلاف في ذلك عند أهل القول بعدم التكرار.
ألا ترى أنّ العلاّمة في التهذيب مع قوله بعدم التكرار صرّح بعدم دلالته على الفور ، ومثله ما في شرح المنهاج حيث قال : « وإذا لم يكن مفيدا للتكرار لم يكن مفيدا للفور كما عرفت في الأمر ، لجواز أن يقال : لا تفعل في الحال أو بعد غد ».
خلافا لما حكي عن الشيخ والسيّد في العدّة والذريعة من التصريح بالفور مع ذهابهما إلى عدم الدلالة على التكرار.
فعن الشيخ أنّه قال : « إنّما قلنا إنّه يقتضي الفور دون التراخي لما دلّلنا عليه من أنّ الأمر يقتضي الفور والأدلّة سواء ، وأيضا فلو لم يقتض ذلك في الثاني لوجب أن يقترن به البيان فمتى لم يقترن به البيان دلّ على أنّه قبيح في الثاني ».
وعن السيّد نفي إمكان التراخي في النهي حيث قال : « القول بالفور ممكن فيه كما بيّنّاه في الأمر ، غير أنّ التخيير في الأوقات المستقبلة غير ممكن فيه كما أمكن في الأمر ، لأنّ الأمر إنّما يتناول على سبيل التخيير كلّ فعل مستقبل على البدل ، للتساوي في الصفة الزائدة على الحسن ، والنهي يقتضي القبح فلو تساوت الأفعال في القبح لوجب العدول عن الجميع لا على جهة التخيير » انتهى (١).
فظهر أنّ دعوى الملازمة بين القول بعدم التكرار ونفي لزوم الفور ممّا لا وجه له.
بقي في المقام امور ينبغي التنبيه عليها :
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ١٧٦.