احتجّوا : بأنّه* (١) لو كان للدوام ؛ لما انفكّ عنه ، وقد انفكّ. فانّ الحائض نهيت عن الصلاة والصوم ، ولا دوام. وبأنّه ورد للتكرار ، كقوله تعالى : ( « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى » ) وبخلافه ، كقول الطبيب : « لا تشرب اللّبن » ، « ولا تأكل اللّحم ». والاشتراك والمجاز خلاف الأصل ، فيكون حقيقة في القدر المشترك. وبأنّه يصحّ تقييده بالدوام ونقيضه ، من غير تكرار ولا نقض ؛ فيكون للمشترك.
والجواب عن الأوّل : أنّ كلامنا في النهي المطلق. وذلك مختصّ بوقت الحيض ، لأنّه مقيّد به ، فلا يتناول غيره. ألا ترى أنّه عامّ لجميع أوقات الحيض.
وعن الثاني أنّ عدم الدوام في مثل قول الطبيب ، إنّما هو للقرينة ، كالمرض في المثال. ولولا ذلك ، لكان المتبادر هو الدوام. على أنّك قد عرفت في نظيره سابقا : أنّ ما فرّوا منه بجعل الوضع للقدر المشترك ـ أعني : لزوم المجاز والاشتراك ـ لازم عليهم ، من حيث انّ الاستعمال في خصوص المعنيين يصير مجازا فلا يتمّ لهم الاستدلال به.
وعن الثالث : أنّ التجوّز جائز ، والتاكيد واقع في الكلام مستعمل ، فحيث يقيّد بخلاف الدوام يكون ذلك قرينة المجاز ، وحيث يؤتى بما يوافقه يكون تأكيدا.
___________________________________
نورد عليه النهي كذلك ، وقد يكون مبغوضا عندنا من رأسه بحيث لا نحبّ وجوده في الخارج أصلا فنطلقه ونورد عليه النهي كذلك ويتمّ به المخاطبة ويحصل كمال المقصود ، فلولا الإطلاق ممّا يلازم المبغوضيّة المطلقة ومطلوبيّة الدوام لكنّا في الاكتفاء به قصّرنا في البيان وابراز كمال المقصود واستحقنا بذلك ذمّ العقلاء واستهجان العرف ، وهو باطل بضرورة من العرف والوجدان.
(١) * احتجّ المنكرون لدلالة النهي على التكرار بوجوه :
منها : ما اعتمد عليه بعض الأعلام (١) من أنّ الأوامر والنواهي وغيرها مأخوذة من المصادر
__________________
(١) القوانين ١ : ١٣٨.