وإن شئت زيادة بيان في الاستدلال فنقول : مفروض المقام أنّ الطبيعة مأخوذة في حيّز النهي مطلقة غير مقيّدة بقيد زماني ولا مكاني ولا غيره ممّا يرجع إلى المكلّف وغيره من الأحوال والأوصاف ، فتكون كالطبيعة المأخوذة في حيّز الأمر إذا فرضت مطلقة كذلك ، فكما أنّ إيجادها عند إرادة امتثال الأمر في أيّ زمان يكون ممّا يصدق عليه عرفا أنّه إيجاد للطبيعة المأمور بها ، ويوجب ذلك حصول امتثال الأمر في نظر العقل والعرف ويسقط به الأمر ، فكذلك إيجادها في أيّ زمان يكون حيثما وقعت في حيّز النهي ممّا يصدق عليه عرفا أنّه إيجاد للطبيعة المطلقة ، فيوجب ذلك فوات صدق ترك الطبيعة المطلقة ، ضرورة استحالة صدق النقيضين ، وهو قاض بعدم صدق امتثال النهي في نظر العرف والعقل.
وقضيّة ذلك توقّف صدق الامتثال على تركها في جميع الأزمان ، ضرورة استحالة ارتفاع النقيضين كاجتماعهما.
ودعوى : أنّ تركها في الجملة كاف في تحقّق الامتثال ولا يقدح فيه إيجادها بعد ذلك.
يدفعها : أنّ ما حصل تركه في الزمان المفروض ليس إلاّ الطبيعة المقيّدة بذلك [ الزمان ] والمفروض عدم تعلّق النهي بها بخصوصها ، وإنّما تعلّق النهي بها مطلقة غير مضافة إلى زمان دون آخر ، والمفروض عدم حصول تركها كذلك ، إذ يصدق على ما وجد في الزمان المتأخّر أنّه من تلك الطبيعة فلا امتثال ، وهذا معنى قولنا : « انّ النهي يفيد الدوام والتكرار » ، لا بمعنى أنّ « الدوام » اعتبر قيدا مع الطبيعة حتّى يقال بأنّ ذلك منفيّ بحكم العرف والأصل ، بل بمعنى أنّ ترك الطبيعة المطلقة ممّا لا يصدق بحكم العقل والعرف إلاّ مع دوام الترك.
هذا مضافا إلى أنّا نجد في العرف أنّ الإنسان إذا توجّه إليه نهي عن فعل ينظر أوّلا في أنّه هل يلحقه قيد من المتكلّم أو من العقل أو من العادة قاض بمطلوبيّة تركه في الجملة على حسبما يقتضيه ذلك القيد كمّا أو كيفا ليتخلّص عن دوام الترك الّذي هو بنفسه أمر صعب على النفوس أو لا يلحقه ذلك القيد أصلا ، وذلك آية أنّ الدوام من مقتضيات حاقّ النهي وإنّما يتبعه حيثما وجد مجرّدا عن القيود الخارجة ، وأنّ ما عداه من إرادة الترك في الجملة هو الّذي يحتاج إلى لحوق أمر زائد بالخطاب خارج عن حقيقة الفعل المنهيّ عنه ، وأنّ الدوام يكفي في ثبوته مجرّد تجرّده عن ذلك الأمر الزائد.
مضافا إلى أنّا نجد من أنفسنا عند مراجعة الوجدان أنّه لو أردنا إنشاء نهي عن فعل قد يكون ذلك الفعل مبغوضا في نظرنا في زمان دون آخر فنقيّده بذلك الزمان لا محالة ثمّ