لا يقال : الأصل في التبادر أن يكون وضعيّا كما هو المقرّر في محلّه المسلّم عندهم ، لأنّ ذلك إنّما يجدي نفعا في مقابلة دعوى استناد الفهم إلى القرينة ومفروض المقام ليس من هذا الباب ، لرجوعه إلى دعوى استناد الفهم إلى أمر عدميّ ينشأ من ورود الماهيّة مطلقة ، ولا يعقل في مثل ذلك دعوى الأصل على الخلاف كيف وأنّ منشأ الفهم موافق للأصل كما لا يخفى ، فإنّ الأصل إنّما هو عدم التقييد والإطلاق من مقتضياته ، كما لا يعقل تقرير الأصل بالنسبة إلى هذا النحو من الفهم لمكان الشكّ في الحادث ، فإنّ أصل الفهم حاصل بالفرض وهو مردّد بين استناده إلى الوضع أو إلى الإطلاق والأصل متساوي النسبة إلى كلّ منهما ، ولو قرّر الأصل بالقياس إلى ما يلزم الفهم من جهة الإطلاق من ملاحظة الإطلاق والالتفات إلى عدم لحوق القيد كان معارضا بالمثل ، إذ الفهم من جهة الوضع أيضا يستلزم الالتفات إليه ولو إجمالا ، مع أنّ الأصل إنّما يعقل جريانه في موضع [ الشكّ ] والالتفات إلى الإطلاق حيثما ترد اللفظ مطلقا خاليا عن القيد من اللوازم القهريّة التابعة للالتفات إلى نفس اللفظ ، فلا شكّ في المقام حتّى يكون محقّقا لموضوع الأصل.
ومنها : ما أشار إليه البهائي في حاشية زبدته بقوله : « على هذا المطلب دليل آخر غير مشهور ، تقريره : أنّ الترك في وقت من الأوقات أمر عادي للمكلّف غير محتاج إلى النهي ، فلو لم يكن النهي للدوام لكان صدوره عن الناهي عبثا » ثمّ قال : « فإن قلت : العبثيّة غير لازمة وإنّما تلزم لو لم يكن النهي مقتضيا للفور ».
فأجاب عنه : « بأنّ من يقول بعدم الدوام يجوّز التراخي كما نصّ عليه العلاّمة في النهاية ويدلّ عليه كلام الفخري في المحصول فالعبثيّة لازمة ».
ثمّ قال : « لكن يمكن أن يقال : إنّ الترك نوعان عادي وامتثالي ، والامتثالي إنّما يترتّب على النهي وبه يحصل الثواب ».
وعن الفاضل الجواد الإيراد على ما ذكره في دفع فوريّة الانتهاء على القول بعدم الدوام بقوله : « ها هنا شيء وهو أنّ القائلين بعدم الدوام منهم من ذهب إلى أنّه للمرّة فقط ، ومنهم من يجعله مشتركا بينها وبين التكرار بحيث يتوقّف العلم بأحدهما على دليل من خارج كما في الأمر ، فمن قال بالأوّل قال بالفوريّة كما هو الظاهر من كلام بعضهم ، حيث صرّح بأنّ النهي لا يفيد إلاّ الانتهاء في الوقت الّذي يلي وقت النطق بالنهي وحينئذ فلا عبثيّة على مذهبهم ، وأمّا من يجعله مشتركا بينهما فإنّه يتوقّف في الانتهاء إلى أن يظهر