وفيه : منع كون « اضرب » مفيدا للمرّة ، لما قرّرناه من أنّ الأمر لا يفيد إلاّ طلب الماهيّة ، فانفهام التناقض إنّما من جهة مناقضة إيجاد الماهيّة المطلقة لنفيها ، فهو من مقتضيات إطلاق الماهيّة في حيّز الأمر والنهي ، ولا يثبت بذلك دلالة النهي على العموم وضعا ، بل غايته أنّه يدلّ عليه إطلاقا ، فلا يكون الدليل مطابقا للمدّعى إن رجع إلى الدلالة الوضعيّة.
وممّا قرّرناه يظهر أنّه لا وقع لما يورد عليه أيضا من النقض بثبوت التناقض بين قوله : « شربت ماء باردا » وقوله : « ما شربت الماء » مع أنّ لفظ « الماء » في القضيّة المتضمّنة للنفي ليس للعموم ، فما يجاب هو الجواب ، فإنّ « الماء » إن اريد به المعهود الخارجي فانفهام التناقض ممنوع ، وإن اريد به الجنس فالتناقض مسلّم ، ولكنّه لا يلزم منه كونه موضوعا للعموم بل يكفي فيه كون النفي الوارد عليه لنفي الجنس المستلزم لنفي جميع أفراده الّتي منها الماء البارد المأخوذ في القضيّة الموجبة.
وأمّا ما يورد عليه أيضا ـ كما في الكواكب ـ من أنّ التناقض المتحقّق بينهما إنّما هو لاشتمال أحدهما على النفي والآخر على الإثبات لكن بشرط اتّحاد الوقت أمّا مع اختلافه فلا ، فلم نتحقّق معناه ، إذ لو اريد به أنّ تحقّق التناقض يعتبر فيه كون النفي والإثبات واردين على الماهيّة في وقت واحد مخصوص اعتبر قيدا لها في كلّ من القضيّتين ، فهو ليس بلازم إذ القضيّة المنفيّة تفيد نفي الماهيّة المطلقة وهو يستلزم الدوام ، فلا بدّ من التناقض من دون نظر إلى خصوصيّة وقت دون آخر ، ضرورة منافاة الإيجاب جزئيّا أو كلّيّا لدوام السلب ، ولو اريد به أنّ النفي إذا كان لدوام السلب يصادف الإيجاب القاضي بوقوع الفعل في وقت وقوعه كائنا ما كان فيتّحد به وقتاهما فحصل التناقض ، فهو في غاية المتانة غير أنّه لا يبقى للاستدراك المذكور من قوله : « وأمّا مع اختلافه فلا » محلّ ، فلا وجه له.
ومنها : ما تمسّك به في المنية والزبدة وحكي عن العلاّمة في النهاية وعن المختصر وشرحه للعضدي من أنّ العلماء ـ كما عن النهاية والمختصر وشرحه للعضدي ـ والصحابة كما في المنية والسلف ـ كما في الزبدة ـ لم يزالوا في جميع الأوقات يستدلّون على الدوام بالنهي من غير نكير.
وفيه : إن أريد به الاستكشاف عن فهمهم الكاشف عن الوضع فهو في حيّز المنع ، لجواز استناد فهمهم إلى مجرّد الإطلاق حسبما قرّرناه وهو ليس من مقتضى الوضع ليثبت به الدلالة الوضعيّة.