لنا : أنّ النهي يقتضي منع المكلّف من إدخال ماهيّة الفعل وحقيقته في الوجود* (١) ، وهو إنّما يتحقّق بالامتناع من إدخال كلّ فرد من أفرادها فيه ؛ إذ مع إدخال فرد منها يصدق إدخال تلك الماهيّة في الوجود ؛ لصدقها به ؛ ولهذا إذا نهى السيّد عبده عن فعل ، فانتهى مدّة كان يمكنه إيقاع الفعل فيها ثمّ فعل ، عدّ في العرف عاصيا مخالفا لسيّده ، وحسن منه عقابه ، وكان عند العقلاء مذموما بحيث لو اعتذر بذهاب المدّة الّتي يمكنه الفعل فيها وهو تارك ، وليس نهي السيّد بمتناول غيرها ، لم يقبل ذلك منه ، وبقى الذمّ بحاله. وهذا ممّا يشهد به الوجدان.
___________________________________
شهادة جملة اخرى من أدلّتهم المقامة من الطرفين على المطلب ، ولا يبعد القول بكون النزاع في مقامين مرتّبين وإن اختلطا عند تحرير العنوانات وتقرير الاحتجاجات ، أحدهما : الوضع ، وثانيهما : الدلالة الخارجيّة على فرض انتفاء الوضع أو عدم ثبوته ، وعلى كلّ تقدير فالظاهر عدم الفرق في النزاع بين النهي بالصيغة والنهي بالمادّة وإن اختصّت الأمثلة الواردة في الباب بالأوّل ، فإنّ أكثر الأدلّة جارية فيهما معا كما لا يخفى.
(١) * هذا من حجج القول باقتضاء النهي للدوام ، فإنّ لهم على ما عثرنا عليه تحصيلا ونقلا وجوها كثيرة :
منها : ما اعتمد عليه في المنية من أنّ المتبادر إلى الفهم عند إطلاق اللفظ وتجرّده عن القرائن هو التكرار.
ولا يخفى ما في دعوى هذا التبادر إن أراد به ما يكشف عن الوضع لخصوص التكرار ليكون مدلولا مطابقيّا ، أو لما هو في ضمنه ليكون مدلولا تضمّنيّا ، أو لما هو مقيّد به على نحو خروج القيد ليكون مدلولا التزاميّا بيّنا بالمعنى الأخصّ نظير ما هو الحال في « البصر » بالقياس إلى وضع « العمى » فإنّ ذلك بجميع احتمالاته ممّا لا يساعد عليه الوجدان ولا طريقة أهل اللسان ، كيف وأنّا لا نجد التبادر في الصيغة المجرّدة إلاّ في طلب ترك الطبيعة المطلقة لا بشرط شيء من القيود ، على قياس تبادر طلب إيجاد الطبيعة المطلقة في صيغة الأمر ، ومن لوازم الطبيعة المطلقة أن لا يحصل تركها بحكم العقل من باب دلالة الإشارة إلاّ