بكون المطلوب بالنهي هو الكفّ ، يؤول الأمر إلى النهي عن ضدّ الكفّ أيضا على القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه فيلزم الدور فتأمّل » (١).
ومحصّل الدور المتوهّم هنا حسبما يمكن تصوّره يستدعي استعلامه رسم مقدّمات ، وإن كان لا يساعد عليه ما قرّره في الحاشية لدفعه.
أوّلها : أنّ طلب الكفّ ـ على القول بكون المطلوب بالنهي هو الكفّ ـ أمر بالكفّ حسبما هو مأخوذ في حدّ الأمر.
وثانيتها : أنّ القول بكون المطلوب بالنهي هو الكفّ معناه أنّ النهي يقتضي مطلوبيّة الكفّ.
وثالثتها : أنّ الشيء إذا كان مقتضيا لشيء آخر كان ممّا يتوقّف عليه ذلك الشيء ، لأنّ المقتضى [ بالفتح ] في حصوله بهذا الوصف العنواني يتوقّف على المقتضي بالكسر ، إذ لولاه لما صدق عليه عنوان المقتضى بالفتح.
ورابعتها : أنّ الكفّ إذا كان مأمورا به بواسطة النهي فضدّه فعل المنهيّ عنه ، فحينئذ لو كان القائل بمطلوبيّة الكفّ في النهي من أهل القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه يلزمه الدور في الجمع بين هذين القولين ، لأنّ النهي عن الزنا حينئذ مثلا يقتضي الأمر بالكفّ عن الزنا بحكم المقدّمة الاولى والثانية ، والأمر بالكفّ أيضا يقتضي النهي عن الزنا بحكم المقدّمة الرابعة مع انضمام القول المذكور إليها ، فينتج أنّ النهي عن الزنا يقتضي النهي عن الزنا وهو توقّف الشيء على نفسه بحكم المقدّمة الثالثة.
ويدفعه أوّلا : منع المقدّمة [ الثالثة ](٢) فإنّ كون الاقتضاء من باب التوقّف على إطلاقه غير مسلّم ، بل هو كالاستلزام الّذي هو أعمّ من التوقّف من وجه.
ولا ريب أنّ المقتضي إن كان من قبيل الدليل كان ممّا يتوقّف عليه المقتضى ، بخلاف ما لو كان من قبيل المدلول فإنّه إذا اقتضى مدلولا آخر قد يكون اقتضاؤه من باب مجرّد المقارنة ، فصيغة النهي وإن كان ممّا يتوقّف عليه الأمر بالكفّ ولكنّ الأمر بالكفّ لا يتوقّف عليه النهي عن ضدّ الكفّ وإن اريد به فعل المنهيّ عنه ، بل إنّما هو يستلزمه على قياس ما هو الحال في الأمرين المتشاركين في العلّة أو اللازمين لملزوم واحد.
وثانيا : منع المقدّمة الرابعة ، فإنّ ضدّ الكفّ إنّما هو ترك الكفّ أو الكفّ عن الكفّ ، ودعوى
__________________
(١) القوانين ١ : ١٣٨.
(٢) وفي الأصل « الثانية » بدل « الثالثة » وهو سهو من قلمه الشريف والصواب ما أثبتناه في المتن نظرا إلى السياق.