الثانية
من الأعلام من استشكل في الفرق بين البحث في هذه المسألة وما تقدّم الإشارة إليه من اختلافهم في اقتضاء النهي عن الشيء للأمر بضدّه على حذو ما ذكروه في الأمر.
ثمّ قال : « وعلى القول بكون المطلوب هو الكفّ يتوجّه القول بالعينيّة هنا ويمكن الفرق بينهما بأنّ الكلام ثمّة كان في دلالة لفظ النهي على الأمر مع قطع النظر عن الأدلّة الخارجيّة مثل امتناع تعلّق التكليف بالعدم ونحوه بخلافه هاهنا ، وهو أيضا مشكل لعموم الكلام ثمّة أيضا » (١) انتهى.
وظاهر العبارة اختصاص الإشكال بما أشار إليه من قول الخصم فلا يتوجّه على القول المختار مع أنّ الظاهر عدم الفرق بينهما ، إذ كما يقال على مذهب الخصم أنّ النهي بقوله : « لا تزن » عين الأمر بقوله : « أكفف أو كفّ عن الزنا » فكذا يقال على المختار ، أنّ قولنا : « لا تزن » بحسب المعنى عين قولنا : « اترك الزنا » فالإشكال على فرض صحّته مشترك الورود.
وعلى أيّ حال كان فيدفعه : أنّ الكلام ثمّة لو كان في الضدّ الخاصّ فالفرق بينه وبين الكلام هاهنا في غاية الوضوح ، إذ الكلام ثمّة راجع إلى كبرى القياس وهو أنّ النهي هل يقتضي الأمر بالضدّ الخاصّ أو لا؟ وهاهنا راجع إلى صغرى هذا القياس وهو أنّ النهي على تقدير اقتضائه الأمر بالضدّ أو عدم اقتضائه هل المطلوب به الكفّ أو نفس أن لا تفعل؟
ولا ريب أنّ هذين القولين بكليهما يجامعان كلاّ من الأقوال المتقدّمة ثمّة من العينيّة والتضمّن والالتزام لفظا أو معنى.
ولو كان في الضدّ العامّ فيتّضح الفرق بينهما بأنّ الكلام ثمّة على تقدير القول بالعينيّة راجع إلى أصل الاقتضاء والدلالة من دون نظر إلى تعيين المدلول ، وهاهنا راجع إلى تعيين المدلول من حيث تردّده بين كونه طلبا للترك أو طلبا للكفّ ، وأمّا على تقدير القول بما عدا العينيّة من التضمّن أو الالتزام لو ثبت ثمّة وكان معقولا كان الفرق بينهما نظير ما قرّرناه في الضدّ الخاصّ من رجوع الكلام ثمّة إلى أمر كبروي على تقدير معقوليّة أصل الدلالة وهاهنا إلى أمر صغروي ، فليتأمّل.
الثالثة
ربّما يورد في المقام إشكال آخر تعرّض لذكره بعض الأعلام بقوله : « إنّه على القول
__________________
(١) القوانين ١ : ١٣٨.