بحكم العصمة أو العادة حصول الشرط في حقّهم ، فينبغي أن لا يكون لهم تكليف في ذلك بشيء من الوجهين ولا نظنّ أحدا يلتزم بذلك ، مع أنّ في غيرهم أيضا من آحاد المكلّفين من لا يتأتّى له ذلك الشرط أبدا حيثما لم يتحقّق له شيء من الدواعي الموجبة للوقوع في المحرّم لعدم غرض له في ذلك أصلا مع تمكّنه عن الفعل باجتماع شرائطه الوجوديّة بأسرها في حقّه ، فينبغي أن لا يكون له تكليف في ذلك أصلا ، فحينئذ لو فرض أنّه فعله وأتى به من غير غرض له في ذلك يلزم أن لا يكون فاعلا للمحرّم وأن لا يستحقّ العقاب بذلك لأنّه من فروع التكليف والمفروض انتفاؤه ، وهو كما ترى بل هو ممّا لا يتفوّه به جاهل فضلا عن العالم ، فحمل كلام أهل القول باعتبار الكفّ على إرادة هذا المعنى ممّا لا ينبغي.
ومن الأفاضل من ذكر في توجيهه : وأنّ المراد بالكفّ هو الميل عن الفعل والانصراف عنه إلى الترك عند تصوّر الطرفين ، سواء حصل له الرغبة إلى الفعل أو لا ، فإنّ العاقل إذا تصوّر الفعل والترك لا بدّ له من ميله إلى أحد الجانبين ، فالمراد بالكفّ هو ميله إلى جانب الترك ، ويجعل متعلّق الطلب الحاصل في النهي هو ذلك الميل ، نظرا إلى ما توهّم من عدم قابليّة نفس الترك لأن يتعلّق به الطلب بخلاف الإيجاد إذ لا مانع من تعلّق الطلب به فيكون الميل المذكور بالقياس إليه من جملة المقدّمات ، وحينئذ فلا فرق بين القولين المذكورين إلاّ بالاعتبار ، حيث يقول القائل بتعلق الطلب بالكفّ كون المكلّف به هو ميل النفس عن الفعل وانصرافه عنه ، ويقول القائل بتعلّقه بالترك كون المكلّف به نفس الترك المسبّب من ذلك الميل المتفرّع عليه (١).
وهذا كما ترى وإن كان أقلّ محذورا من التوجيه الأوّل غير أنّه خلاف ما يظهر عن أهل القول باعتبار الكفّ من تعبيرهم عنه في بعض عباراتهم بالفعل الظاهر فيما كان محلّه الجوارح.
وإن شئت فلاحظ عبارة الحاجبي الّذي هو منهم في عنوان تلك المسألة من قوله : « لا تكليف إلاّ بفعل فالمكلّف به في النهي كفّ النفس عن الفعل ». وعن أبي هاشم وكثير نفي الفعل.
واحتمال إرادة الأمر الوجوديّ من الفعل المتناول لمثل الميل والإرادة النفسانيّة بعيد عن الظاهر.
بل الأقرب في النظر القاصر حمل « الكفّ » في كلامهم على إمساك الجوارح عن الإتيان بالمنهيّ عنه فيشمله الفعل ، ضرورة كون الإمساك محلّه الجوارح وإن كان منشؤه الميل والإرادة
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ١٨.