لنا : أنّ تارك المنهيّ عنه كالزنا ، مثلا ، يعدّ في العرف ممتثلا ، ويمدحه العقلاء على انّه لم يفعل ، من دون نظر إلى تحقّق الكفّ عنه ، بل لا يكاد يخطر الكفّ ببال أكثرهم* (١). وذلك دليل على أنّ متعلّق التكليف ليس هو الكفّ ، وإلاّ لم يصدق الامتثال ، ولا يحسن المدح على مجرّد الترك.
___________________________________
كسائر الأفعال الناشئة عن الجوارح ، وهذا كما ترى معنى أخصّ من الترك ومبائن للميل إليه.
أمّا الأوّل : فلأنّ الترك كثيرا مّا يحصل مع الذهول عن الفعل أو مع عدم التمكّن منه بانتفاء بعض شروط وقوعه أو مقارنة بعض موانعه ، بخلاف الإمساك فإنّه ما لا يتأتّى إلاّ وهو مسبوق بالالتفات إلى الفعل وتصوّره مع التمكّن منه حصل معه الشوق والميل النفساني إليه أو لا.
وأمّا الثاني : فلتأخّر رتبة الإمساك عن الميل إلى الترك ، فإنّ الترك في الحقيقة مترتّب على إمساك الجوارح عن الفعل وهو مترتّب حيثما يتحقّق على ميل الترك ، فالجزء الأخير من علّة الترك إنّما هو الإمساك ، كما أنّ الجزء الأخير من علّة الفعل عند التحقيق حمل الجوارح على الفعل وهو إيجاد الماهيّة في الخارج وإدخالها في الوجود ، فيرجع محصّل الخلاف بين الفريقين إلى أنّ متعلّق الطلب في النهي هل هو نفس الترك الّذي هوعدم صرف أومنشؤه الّذي هو الإمساك عن الفعل؟
وإلى ذلك ينظر ما قيل : من أنّ المذهبين متقاربان.
لا يقال : فيلزم من ذلك عود ذلك الخلاف لفظيّا ، لرجوع دعوى أهل القول بمطلوبيّة الترك إلى جعل المطلوب بالنهي إمساك الجوارح عن الفعل كما يشهد به ما ذكروه ـ في دفع توهّم أنّ العدم نفي محض فلا يصلح أثرا للقدرة ليتعلّق به التكليف ـ من أنّ أثر القدرة إنّما هو استمرار العدم وإبقاؤه كما يشير إليه المصنّف أيضا فيما بعد ذلك ، فإنّ إبقاء العدم واستمراره على وجه يرجع إلى كونه أثرا للقدرة لا يعقل له معنى محصّل إلاّ الإمساك المذكور.
لأنّا نقول : إنّ غرضهم بذلك إحراز ما يصحّ معه تعلّق التكليف بالعدم المفروض ، كما يفصح عنه التعليل في كلامهم بأنّ المقدور بالواسطة مقدور ، لا أنّهم أرادوا بذلك جعل نفس الاستمرار والإبقاء مطلوبا ليتّحد المذهبان أو يوافقا في دعوى تعلّق الطلب بالأمر الوجودي دون العدمي الصرف.
(١) * وهذه الحجّة حسبما عثرنا عليه مذكورة في كلام كلّ من جعل المطلوب في النهي