فذهب الأكثرون إلى أنّه هو الكف عن الفعل المنهيّ عنه* (١) ، ومنهم العلاّمة رحمه الله في تهذيبه.
___________________________________
من متعلّق مسبوق تصوّره بحدوث الطلب وتعلّقه به ، وهو في لحاظ الطالب كما يمكن أن يكون أمرا عدميّا وهو مجرّد عدم الفعل الّذي يعبّر عنه في الترجمة الفارسيّة بـ « نكردن » فكذلك يمكن أن يكون أمرا وجوديّا وهو الكفّ الّذي يعبّر عنه في الترجمة الفارسيّة بـ « باز داشتن خود از كردن » فوقع الخلاف عندهم في أنّ ما اعتبره الطالب عنوانا في طلبه ومتعلّقا له هل هو المفهوم الأوّل فيكون المطلوب بالنهي نفس أن لا تفعل ، أو المفهوم الثاني فيكون المطلوب به الكفّ؟
ومن البيّن أنّ هذا الخلاف ليس راجعا إلى ما يقتضيه الوضع اللغوي أو العرفي ، إذ لا يستريب أحد في أنّ مقتضى الوضع اللغوي والعرفي في مثل : « لا تزن » ونحوه ليس إلاّ طلب الترك ومنع إدخال الماهيّة في الوجود ، لوضوح أنّ الفعل باعتبار الوضع المادّي لا يدلّ إلاّ على الماهيّة والأداة الداخلة عليه لا تقضي إلاّ بنفي تلك الماهيّة ، والصيغة المركّبة من الداخل والمدخول باعتبار وضعها النوعي للإنشاء لا تفيد إلاّ طلب نفي الماهيّة الّذي هو مجموع مدلولي الداخل والمدخول ، وإنّما الخلاف في أنّه هل هناك قرينة من العقل قضت بصرف اللفظ عمّا هو ظاهر فيه عن طلب نفي الفعل الّذي هو أمر عدمي إلى طلب غيره ممّا يكون وجوديّا أو لا؟ كما يفصح عن ذلك احتجاج أهل القول بمطلوبيّة الكفّ ، فإنّه على ما يأتي احتجاج بما يكون من قبيل القرائن العقليّة المقامة لصرف اللفظ عن ظاهره ، نظير احتجاج أهل القول بكون متعلّق الأحكام هو الأفراد بما يكون قرينة صارفة للخطاب عن ظاهره من تعلّق الأحكام بالطبائع بحسب الوضع.
(١) * وعن الأشاعرة أنّ المطلوب بالنهي فعل ضدّ المنهيّ عنه ، وربّما ينزّل فعل الضدّ هنا إلى إرادة الكفّ كما صنعه السيّد في المنية في تطبيق قول العلاّمة في التهذيب بالكفّ على ما حكاه عن الأشاعرة ، وكأنّه مبنيّ على حمل « الضدّ » هنا على الضدّ العامّ بأحد تفسيريه المتقدّم في بحث الضدّ ، وهو الّذي يقتضيه ما استظهره بعض الأعاظم عن المعظم من انحصار القول هنا في الترك والكفّ ، حاكيا عن بعض المحقّقين نفي البعد عن ادّعاء الإجماع المركّب على أنّ متعلّق التكليف في النهي إمّا العدم على رأي من رآه مقدورا ، أو الكفّ على رأي من لا يراه كذلك ، بل عن العبري نفي القول بغيرهما مستظهرا له عن المازندراني أيضا.