عند التحليل إلى إنشاء شيئين :
أحدهما : الطلب بوصف تعلّقه بالترك الكاشف عن رجحانه ومحبوبيّته في نظر القائل.
وثانيهما : المنع عن الفعل على معنى إظهار عدم الرضا به الكاشف عن مرجوحيّته ومبغوضيّته في نظره وهذا هو الحجّة في إثبات الحقيقة عرفا ، مضافا إلى أصالة عدم النقل في تعدية ذلك الحكم إلى الشرع واللغة كما يشير إليه المصنّف فيما بعد ذلك.
وممّا يكشف عن هذا التبادر ذمّ العقلاء للعبد الآتي بما نهي عنه بواسطة صيغة « لا تفعل » كما يشير إليه المصنّف أيضا.
واستند إليه غير واحد منهم السيّد في المنية حيث قرّره : بأنّ السيّد لو قال لعبده : « لا تركب الدابّة » فركب استحقّ الذمّ عرفا ، فلولا فهمهم التحريم من الصيغة المجرّدة لما كان لذلك وجه.
واحتمال استناد فهمهم إلى خارج من المولويّة ونحوها.
يدفعه : أنّ ما يستند إليه إنّما هو إقدامهم على الذمّ من حيث إنّه من لوازم مخالفة الداني للعالي لا أصل الفهم ، مع أنّ الأصل كاف في نفي هذا الاحتمال لو سلّمنا قيامه بالنسبة إلى أصل الفهم كما في غالب التبادرات المثبتة للوضع الكاشفة عن الحقيقة.
ولك أن تعتبر ذلك حجّة اخرى زيادة على ما قرّرناه أوّلا بناءا على جعل أحدهما تبادرا وجدانيّا ، والآخر تبادرا استقرائيّا ، فلا يلزم تكرار في الاحتجاج كما قد يسبق إلى الوهم.
ولكن ما في عبارة المصنّف لا يساعد على هذا المعنى ، بل هو ظاهر كالصريح في التعرّض لذكره لإقامة شاهد بما ادّعاه من التبادر.
وربّما يستدلّ أيضا بوجوه اخر ، منها : ما ستعرفه عن المصنّف.
ومنها : ما قرّر في المنية معتمدا عليه من أنّه لمّا لم يكن فرق بين الأمر والنهي إلاّ في متعلّق الطلب وكان الأمر دالاّ على الطلب الجازم ـ أعني المانع من نقيض المطلوب ـ كان النهي أيضا كذلك وهي معنى اقتضائه التحريم.
وفيه ما لا يخفى من رجوعه بالأخرة إلى المصادرة على المطلوب ، فإنّ انتفاء الفرق بين الأمر والنهي من جميع الجهات إلاّ في متعلّق الطلب دعوى يحتاج إلى الحجّة بل هو عين المسألة والعبارة خالية عنها ، ولو اريد إثباتها بمجرّد القياس لجامع الطلب فبطلانه أوضح.
ومنها : ما قرّره فيها أيضا وأشار إليه العلاّمة في التهذيب والتوني في الوافية ، من أنّ فاعل المنهيّ عنه عاص ، وكلّ عاص مستحقّ للعقاب ، ففاعل المنهيّ عنه مستحقّ للعقاب ،