والحقّ أنّها حقيقة في التحريم ، مجاز في غيره ؛ لأنّه المتبادر منها في العرف العامّ عند الإطلاق* (١) ؛ ولهذا يذمّ العبد على فعل ما نهاه المولى عنه بقوله : لا تفعله ، والأصل عدم النقل ؛ ولقوله تعالى : « وما نهيكم عنه فانتهوا » أوجب
___________________________________
الجملة وإلاّ فكثير من الأقوال المتقدّمة ثمّة لا يجري هنا جزما ، كالقول بالحقيقة في الإباحة أو التهديد أو الاشتراك بين أحدهما أو كلاهما مع الوجوب والاستحباب لفظا أو معنى.
ومحصّل الخلاف هنا يرجع إلى أقوال :
أوّلها : ما اختاره المصنّف ووافقه عليه غير واحد من فحول أصحابنا المتأخّرين وعليه العلاّمة في التهذيب بل عنه في النهاية والمبادي ، وعليه السيّد في المنية ، والبهائي في الزبدة ، والبيضاوي في المنهاج.
وعن الشيخ والمحقّق في العدّة والمعارج ، وعزي تارة إلى الأكثر واخرى إلى الأشهر.
وثانيها : ما عن بعضهم في محكيّ المعراج وشرح الزبدة للفاضل الجواد من كونها حقيقة في الكراهة.
وثالثها : ما عن ظاهر الذريعة والغنية من اشتراكها لفظا بين التحريم والكراهة.
وربّما يستظهر من الأخير أنّها مشتركة بين التحريم والتهديد والتوبيخ.
ورابعها : كونها حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو طلب الترك مطلقا.
وعن النهاية أنّ من جعل الأمر للقدر المشترك بين الوجوب والندب جعل النهي مشتركا بين التحريم والكراهة ، وهؤلاء أيضا بين من أطلق في هذا القول وبين من أوجب حمل نواهي الشرع عند الإطلاق على التحريم لأدلّة خارجيّة كما اختاره التوني في الوافية (١).
ومن قال بانصراف الطلب المطلق عند الإطلاق إلى التحريم كما صرّح به بعض الأفاضل (٢) على حسبما هو مختاره في الأمر أيضا وتبعه بعض الفضلاء أيضا.
وخامسها : التوقّف حكاه جماعة منّا ومن العامّة وفي شرح منهاج البيضاوي ترديد هذا القول بكونه إمّا للاشتراك أو للجهل بحقيقته كما مرّ في الأمر.
(١) * وهذا التبادر ممّا لا ينبغي الاسترابة فيه ، فإنّ الصيغة من أيّ قائل صدرت ما لم ينضمّ إليها خارج يكشف عن الرضا النفساني بالفعل يتبادر منها الطلب الحتمي الّذي يؤول
__________________
(١) الوافية : ٨٩.
(٢) هداية المسترشدين ٣ : ٧.