وأمّا الأحكام الثلاثة الباقية فالظاهر عدم جريان النزاع فيها ، أمّا الإباحة فلأنّ قوله : « نسخت الإباحة » كالصريح في رفع الجواز كما أنّ قوله : « نسخت الاستحباب أو الكراهة » كالصريح في بقاء الجواز لأنّه إنّما يبقى مع فصله الأوّل والناسخ إنّما يرفع الطلب الغير الحتمي التابع لرجحان متعلّقه من الفعل أو الترك ، والنسخ ظاهر في زوال ذلك الرجحان فيلزم ثبوت الإباحة ، واحتمال كون النسخ باعتبار حدوث تأكّد الرجحان والطلب وبلوغهما حدّ الإلزام والحتم ليثبت به الوجوب أو الحرمة بعيد عن مساق العبارة ، فيحتاج المصير إليه إلى دليل.
ثمّ إنّ ظاهر العنوانات ومفاد الأدلّة وصريح بياناتهم كون مرادهم بالجواز ما كان في ضمن الوجوب الّذي أثبته الأمر ، دون الحكم الجوازي الّذي يطرأ المحلّ بدلالة الخارج ، فإنّه ممّا لا يعقل النزاع في جوازه ولا في وقوعه.
وممّا يرشد إلى ذلك أيضا تعبيرهم عن صورة المسألة بالبقاء المقتضي لسبق الوجود.
وهل المراد به الجواز بالمعنى القابل لما عدا الوجوب والحرمة من الثلاث الباقية فيكون الباقي بعد النسخ الأمر المردّد بين الثلاث ـ أعني أحدها لا على التعيين عندنا ـ أو الجواز مع الرجحان فيكون الباقي بعده خصوص الاستحباب ، أو الجواز لا مع الرجحان ولا مع المرجوحيّة فيكون الباقي بعده الإباحة الخاصّة؟ وجوه ، من أنّ الجنس الوجوبي حصّة من الجواز بالمعنى الأعمّ والحصّة الباقية من الأعمّ أعمّ ، ويؤيّده ورود ذكر الجواز متكرّرا في كلامهم مطلقا ومن غير تقييد له بالرجحان.
ومن أنّ هذه الحصّة ما دامت في ضمن الوجوب كانت مع رجحان المتعلّق مضافا إلى فصل المنع ، والقدر المتيقّن ممّا ارتفع تأكّد الرجحان المحقّق للوجوب فيكون أصل الرجحان كالحصّة باقيا ولو بحكم الاستصحاب.
وبالجملة المقتضي لبقاء الجواز مقتض لبقاء الرجحان.
وممّا حكاه بعض الفضلاء (١) عن بعض المتأخّرين أنّه صرّح بأنّ المراد الجواز لا مع الرجحان ولا المرجوحيّة ، مستظهرا كون المراد به المعنى الأعمّ أعني الوجه الأوّل بقرينة لفظ « البقاء » مع نقله تصريح بعضهم به أيضا.
ولعلّ السرّ فيه أنّه الّذي أثبته الأمر في ضمن الوجوب ، ورجحان المتعلّق ليس من مثبتات الأمر ، فتأمّل.
__________________
(١) الفصول : ١١١.