في سببيّة المقدّم للتالي وكونها حقيقة فيها للتبادر ، وفسّروها بالوجود عند الوجود والانتفاء عند الانتفاء.
فما ذكره بعض الأعلام (١) من أنّ الشرطيّة في خطابات الشارع تنحلّ إلى إفادة حكمين مطلقين بالنسبة إلى الواجد والفاقد وسمّاه « تأويلا » إن أراد به هذا المعنى نظرا إلى أنّ المحصّل من مطلوبيّة الفعل على تقدير وجود الشرط وعدم مطلوبيّته على تقدير عدم وجوده في مثل : « حجّوا إن استطعتم » إثبات الوجوب على الواجد ونفي الوجوب عن الفاقد فهو ليس من التأويل في شيء ، بل هو أخذ بظاهر الشرطيّة ، وإن أراد به غير هذا المعنى فمع أنّه غير متصوّر لا حاجة إلى التأويل إليه بعد إمكان الأخذ بالظاهر ، وما تقدّم منه أيضا من تعليل عدم صحّة التعليق من العالم بالعواقب بظهور التعليق في الجهل وهو ينافي العلم غير سديد ، لمنع ظهوره في الجهل لما عرفت من صحّته من العالم والجاهل معا ، ولو سلّم فيكفي فيه جهل السامع وليس بلازم فيه كونه من المتكلّم الحكيم.
وأمّا الصورة الثانية : وهي الفاقد الّذي لا يلحقه الشرط أصلا فيصحّ التعليق فيها من الجاهل بالعواقب لمجرّد كونه محتملا لحصول الشرط وإن تبيّن فيما بعد عدم حصوله ، وخروج الطلب والتعليق منه حينئذ لغوا غير قادح في الصحّة المبتنية على الاحتمال لكونه رافعا للقبح اللازم من اللغويّة ، والظاهر أنّه ممّا لا كلام لهم فيه ولذا فرضوا النزاع في تعليق العالم بالعواقب ، وهذا منه في هذه الصورة غير صحيح للزوم اللغو والسفه ، فإنّ غاية ما يذكر في وجه صحّته كونه يقصد به العزم وتوطين النفس على الامتثال ليثاب به في الآخرة كما تقدّم في عبارة العميدي عند بيان أنّ الأمر في مسألة « الأمر بما علم انتفاء شرطه » هل اريد به الأمر المنجّز أو الأمر المعلّق؟
ويدفعه : أنّ هذا الغرض في مثل : « صم غدا إن عشت فيه » ممّن يعلم أنّه سيموت في الغد يحصل بالأمر المطلق وهو قوله : « صم غدا » فيبقى التعليق والإتيان بالشرطيّة لغوا.
وأمّا الصورة الثالثة : أعني الواجد للشرط فقد يصحّ التعليق لإفادة المطلوبيّة مع وجود الشرط وعدم المطلوبيّة بدونه فيما جهل السامع وجدانه الشرط ، فيستعلم حينئذ كونه واجدا بالفحص والاجتهاد ، كما لو قال لمن لا يعلم أنّه مستطيع : « إن استطعت فحجّ » والآمر عالم باستطاعته ، وفيما لو علم السامع كالآمر وجدانه الشرط ولكن لا يعلم سببيّته
__________________
(١) القوانين ١ : ١٢٤.