فتبيّن بجميع ما ذكر أنّ عدم الجواز في الجملة اتّفاقيّ ، أو يقال : انّ إناطة الحكم بحصول الفائدة وعدمه تفصيل في المسألة واقع بين الإطلاقين ـ على ما عرفتهما ـ إطلاق السيّد ومن تبعه في المنع وإطلاق محكيّ الشيرواني في الجواز ، فيكون ذلك ثالث الأقوال.
وإذا تمهّد ذلك فاعلم : أنّ التعليق في مقابلة التنجيز من « النجز » بمعنى الحضور ، فالمنجّز هو الأمر المحقّق في الخارج فعلا باعتبار عدم كونه مربوطا بأمر غير حاصل ، وفي الأمر عبارة عن الطلب الصادر من المتكلّم فعلا ، فالتعليق مأخوذ عن « العلقة » بمعنى الربط الّذي يرد في مثل : « إن جاءك زيد فأكرمه » و « إن استطعت فحجّ » أو « أكرم زيدا إن جاءك » و « حجّ إن استطعت » وغيرهما من الجمل الشرطيّة الإنشائيّة الدائرة في استعمالات العرف والشرع.
ولا يذهب عليك أنّ محلّ التعليق بالمعنى المتنازع فيه ليس هو الطلب الإنشائي القائم بذهن المتكلّم المدلول عليه بصيغة الأمر ، فإنّه يقع من المتكلّم فعلا حال الخطاب ويستكمل جميع جهاته من الصدور والتعلّق بالمطلوب والمطلوب منه ، ولا يعقل فيه التعليق بالمعنى المتنازع ، بل محلّ هذا التعليق إنّما هو متعلّق هذا الطلب الصادر من المتكلّم فعلا الّذي هو موضوع الحكم ، وهو وقوع الإكرام ووقوع الحجّ في الخارج في المثالين ، فإنّه معلّق ومربوط فيهما بالمجيء والاستطاعة فيبقى مراعى بحصولهما وموقوفا على وجودهما ، ويتعلّق الطلب الفعلي المنجّز لهذا الموضوع المعلّق ، وذلك أنّ المتكلّم بطلبه الإكرام أو الحجّ على تقدير مجيء زيد أو الاستطاعة يربط وقوع الإكرام بمجيء زيد ووقوع الحجّ بالاستطاعة فيقع الطلب منجّزا والمطلوب معلّقا وموقوفا في وجوده الخارجي على حصول المجيء والاستطاعة.
وبالجملة نحن لا نعقل فرقا بين قول القائل : « أكرم زيدا » وقوله : « إن جاءك زيد فأكرمه » في تنجّز الطلب فيهما معا ، على معنى صدوره من المتكلّم فعلا حال الخطاب ، وإنّما يحصل الفرق بينهما في أنّ متعلّق ذلك الطلب في الأوّل هو الإكرام الغير المقدّر بمجيء زيد ، ولذا يكون وقوعه مطلوبا على كلا تقديري حصول المجيء وعدم حصوله ، وفي الثاني هو الإكرام المقدّر بمجيئه فيكون مطلوبا على تقدير حصوله ولا يكون مطلوبا على تقدير عدم حصوله ، فالتعليق وصف في موضوع الطلب لا في نفسه ، ولو وصف به الطلب أو الوجوب في بعض الأحيان فإنّما هو على وجه المجاز من باب الوصف بحال متعلّق الموصوف ، أو يراد بالوجوب الأثر المترتّب على الطلب الإنشائي وهو كون الفعل بحيث