عن الاحتجاج الأوّل المتقدّم عن المنية.
وأصرح منه ما ذكره في السابع من التنبيهات ـ الّتي تعرّض لذكرها بعد الفراغ عن المسألة ـ : « من أنّ الحكم المتنازع في رفعه بالغاية أو عدم دلالتها عليه ما ثبت بالمنطوق لا مطلقا لعدم الدلالة فيه أصلا ، ولذا يجوز أن يكون الحكم فيما بعدها كالحكم فيما قبلها بالنظر إلى خطاب آخر ، كما في المحرم فإنّ تحريم وطء امرأته عليه بعد الطهر ثابت ما دام محرما ، لكن لا بالنسبة إلى الخطاب الموجب لتحريم الوطء في الحيض ، بل من آخر وهو الدليل على تحريم الوقاع على المحرم » (١).
ويظهر ذلك أيضا عن بعض الأعلام في توجيه مثل قول القائل « سر إلى البصرة ومنها إلى الكوفة ومنها إلى بغداد » من أنّ أمثال ذلك يقال في العرف لتحديد المنازل أو لإعلام المعالم فيتحدّد المسافة من كلّ علم ومنزل ، فلكلّ مسافة مبدأ ونهاية يلاحظان بالنسبة إليه ويعتبر بخصوصها ، فلا يرد تجوّز ولا يحصل منه نقض على القاعدة.
ومحصّل مراده : أنّ لكلّ واحد من الغايات المترتّبة مفهوما ، فإنّ كلاّ يدلّ على نفي حكمها المنطوقي عمّا بعدها ، ولا ينافيه ثبوت مثل ذلك فيما بعدها إلى غاية اخرى لأنّ ذلك حكم آخر ثبت بخطاب آخر ، نظرا إلى أنّ المثال المذكور ينحلّ إلى خطابات عديدة لكلّ واحد منها منطوق ومفهوم غير منطوق ومفهوم الآخر ، فلا يكون واردا على خلاف ما ادّعيناه من دلالة التقييد بالغاية على نفي الحكم عمّا بعدها فلا يكون موردا للنقض.
وأنت خبير بأنّ ذلك لا تستقيم إلاّ إذا كان مراده بالحكم الّذي ينفيه التقييد بالغاية عمّا بعدها خصوص الحكم المقصود من العبارة المتضمّنة لتلك الغاية لا مطلقا ، وإلاّ فلو كان نظره إلى نوع الحكم فلا إشكال في منافاة المثال لما ادّعاه.
ويمكن لفظيّة النزاع بين الفريقين من وجه آخر ، وهو : كون نظر النفاة إلى جعل الغاية قيدا للموضوع فيكون التقييد بها كالتقييد بالصفة ، وكون نظر المثبتين إلى جعلها قيدا للحكم إمّا لنوعه فيدلّ التقييد بها حينئذ على انتفائه مطلقا ، أو لخصوص ما قصد بالخطاب فيدلّ التقييد بها على عدم تناول ذلك لما بعدها ، وإن فرض ثبوت حكم آخر مثله فيه بغير ذلك الخطاب ، ولكنّ الأظهر هو الوجه الأوّل على ما يستفاد من العبارات المتقدّمة حسبما عرفت.
__________________
(١) إشارات الاصول : ٢٤٣.