وأمّا الثالث : فالأصل عدمه.
وبأنّه لا مانع من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق قبل الغاية بالإجماع ، وعند ذلك إمّا أن يكون تقييد الحكم بالغاية نافيا للحكم فيما بعدها أو لا؟
والأوّل يلزم منه إثبات الحكم مع تحقّق ما ينفيه وهو خلاف الأصل ، وإن كان الثاني فهو المطلوب.
وأجاب بعض الأعاظم عن الأوّل : بأنّ خلاف الأصل ربّما يثبت بالدليل كما هنا.
وعن الثاني : باختيار الشقّ الثالث ، فإنّه يدلّ بالالتزام على النفي فيما بعد الغاية.
وعن الثالث : باختيار الشقّ الأوّل والتزام أن يثبت الحكم بالظاهر مع تحقّق ما ينفيه من الأصل ، وظاهر أنّه لا إشكال فيه بل هو المتّبع في كلّ مقام » (١).
وبالتأمّل في جميع ما ذكر من الاحتجاجات والأجوبة عنها مع النقوض والإيرادات يظهر أنّ النزاع بين الفريقين لفظيّ ، لكون كلّ مدّعيا لما لا ينكره الآخر ، فإنّ نظر من ينفي الدلالة على النفي إنّما هو إلى نوع الحكم ولو ما ثبت منه بخطاب آخر ، كما يظهر ذلك من تقرير الاحتجاج الأوّل المتقدّم في عبارة المنية ومن الإيراد المتقدّم على الجواب عن ذلك الاحتجاج.
ويفصح عن ذلك أيضا ما عن الشيخ والسيّد من : « أنّ من فرّق بين تعليق الحكم بصفة وبين تعليقه بغاية ليس معه إلاّ الدعوى ، وهو كالمناقض لفرقه بين أمرين لا فرق بينهما ».
وأصرح منه في الدلالة على ذلك ما عن السيّد في محكيّ المصنّف (٢) من أنّه قال : فأيّ معنى لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(٣) إذا كان ما بعد الليل يجوز أن يكون فيه صوم؟
قلنا : وأيّ معنى لقوله عليهالسلام : « في سائمة الغنم الزكاة والمعلوفة مثلها ».
فإن قيل : لا يمتنع أن يكون المصلحة في أن يعلم ثبوت الزكاة في السائمة بهذا النصّ ويعلم ثبوتها بدليل آخر.
قلنا : لا يمتنع فيما علّق بغاية حرفا بحرف ».
كما أنّ نظر من يثبتها إنّما هو إلى خصوص الحكم المذكور ، على معنى ما هو مقصود من منطوق الخطاب ، كما ظهر ذلك عن بعض الأعاظم في دفع الإيراد على الجواب المتقدّم
__________________
(١) إشارات الاصول : ٢٤٣.
(٢) المعالم : ٢٣٨.
(٣) البقرة : ١٨٧.