متعرّض فيه بالخطاب الأوّل لا بنفي ولا بإثبات ، ولا يلزم من وجوب صوم بعد الغاية أن تصير الغاية وسطا ، بل هي غاية للصوم المأمور به أوّلا ، وإنّما يصير وسطا أن لو كان الحكم فيما بعد الغاية مستندا إلى الخطاب الّذي قبل الغاية وليس كذلك.
وأجاب عنه بعض الأعاظم : « بالخروج من المتنازع فيه في وجه ، ولزوم النسخ قبل حضور وقت العمل في آخر.
أمّا الأوّل : فلأنّ المطلوب من الأمرين إن كان فعلا واحدا لا يتمّ ما ذكره من كون الغاية غاية للصوم المأمور به أوّلا ، فإنّ المأمور به في الخطابين واحد فرضا وهو ظاهر ، وإن كان فعلين لا ينافي حجّيّة المفهوم ، فإنّ اعتبار المفهوم يقتضي نفي وجوب ما ثبت من منطوقه لا نفي واجب آخر لمصلحة اخرى مغايرة له ، فإنّه لو قال : « إضرب زيدا حتّى يتوب من الزنا » لا ينافي وجوب الضرب بعد التوبة منه لأجل حكمة ومصلحة اخرى ، بل ينفي المفهوم الوجوب الثابت بذلك الأمر ، فلا ينافي إيجاب الإمساك في الليل لمصلحة اخرى بأمر آخر.
وأمّا الثاني : فلأنّه لو كان المتعلّق في الأمرين واحدا وأراد تحديد أوّلهما بغاية حقيقة ويكون الغاية في الآخر غيرها يكون نسخا قبل حضور وقت العمل وهو خلاف الفرض مع كونه باطلا كما يأتي » انتهى (١).
والمتأمّل في كلام المورد يقطع بعدم جريان احتمال كون المطلوب بالأمرين ومتعلّقهما فعلا واحدا في عبارة الإيراد ، بل هي كالصريحة في جعله فعلين ، فيسقط عنه كلّ من الخروج عن المتنازع ولزوم النسخ قبل حضور وقت العمل.
وكيف كان فقد حكى (٢) الاحتجاج على النفي أيضا بالاستعمال فيهما معا فيكون للقدر المشترك ، لكون المجاز والاشتراك خلاف الأصل ، وبأنّه لو دلّ فإمّا أن يدلّ بصريح اللفظ ، أو بأنّه لو لم يكن دالاّ لما كان للتقييد فائدة ، أو من جهة اخرى.
والأوّل : ظاهر البطلان.
وأمّا الثاني : فإنّما يلزم لو لم يكن للتقييد فائدة اخرى ، وليس كذلك لاحتمال أن يكون الفائدة تعريف بقاء ما كان بعد الغاية على ما كان قبل الخطاب ، بمعنى أنّه غير متعرّض فيه لإثبات أو نفي.
__________________
(١) إشارات الاصول : ٢٤٢.
(٢) الحاكي هو صاحب إشارات الاصول : ٢٤٢.