حيث كون أحدهما منتهى للآخر ، مع أنّا نجد من أنفسنا في قولنا : « سرت من البصرة إلى الكوفة » أنّا لا نريد منه إلاّ الإخبار عن أنفسنا بالسير المحدود بهذا الحدّ الممتدّ من البصرة إلى الكوفة وهو المنساق منه في متفاهم العرف أيضا ، وإبداء الفرق بين الإخبار والإنشاء ـ مع أنّه لا قائل به مكابرة ـ لا يلتفت إليها بل شبهة في مقابلة البديهة ، كما أنّ دعوى كون المتعلّقات قيودا للمادّة قد يكون بحيث يلاحظ المادّة متعلّقة للوجوب ثمّ يلحق بها التقييد مكابرة يكذبها الوجدان ، لتقدّم لحوق القيد على عروض الحكم وضعا وطبعا ، مع أنّ الغاية المتنازع فيها على ما سبق تحقيقه هي النهاية. والمراد بها ـ على ما هو المصرّح به في كلام النحاة في مسألة أنّ « إلى » لانتهاء الغاية مكانا أو زمانا أو غيرهما نهاية المسافة ، والمسافة إمّا مكان أو زمان أو ما هو بمنزلتهما ، كمحلّ القراءة من الآيات والسور في قولك : « قرأت الكتاب إلى آية كذا أو سورة كذا » وأيّا مّا كان فهو ظرف للحدث المحكوم عليه بحكم إخباري أو إنشائي ، أو كالظرف له وهو مطلق المحلّ فيكون قيدا له لا غير.
ولا ينافيه تعبيرهم في عناوين المسألة على القول بمفهوم الغاية بتقييد الحكم صراحة وظهورا ، لأنّ موضوع الحكم معروض له ، وتقييد المعروض يستلزم تقييد العارض تبعا باعتبار أنّه يعرض موضوعا مقيّدا بالغاية ، فالتقييد يلحق الموضوع أوّلا وبالذات ، ويصحّ إسناده إلى الحكم العارض له ثانيا وبالعرض ، وبالنظر إلى هذا الاعتبار يقال : تقييد الحكم بالغاية ، فتأمّل.
فلا يرد : أنّه لا فائدة في هذا النزاع بعد إرجاع تقييد الموضوع بالأخرة إلى تقييد الحكم وظاهر أنّ تعلّق الحكم ، بموضوع مقيّد بالآخر المعيّن لا ينافي ثبوت مثله لموضوع آخر نحوه من باب تعدّد المكلّف به ، على حسب تكليفين منفصلين ثبت كلّ منهما بخطاب غير خطاب الآخر ، نظير صلاة العصر المأمور بها عقيب صلاة الظهر المأمور بها.
لا يقال : إذا كان مبنى انتفاء الحكم على تقدير جعل الغاية قيدا له على استلزام انتفاء القيد لانتفاء المقيّد ، فهذا الاعتبار يجري بعينه في جانب الموضوع على تقدير جعلها قيدا له ، فلا يبقى فرق بين التقديرين فخرج النزاع بلا فائدة أيضا.
لأنّا نقول : معنى استلزام انتفاء القيد لانتفاء المقيّد على تقدير إرجاعه إلى الموضوع أنّ هذا الموضوع ينتفي فيما بعد الغاية ، ولا ينافي ذلك كون ما بعدها موضوعا آخر لحكم آخر مثل الحكم الأوّل الثابت للموضوع الأوّل.
فإن قلت : لو صحّ ما قرّرته من كون الغاية قيدا للموضوع لرجع المسألة إلى مسألة