الماء قدر كرّ ينجّسه كلّ شيء ، كما فهمه جماعة منهم المصنّف والمحقّق البهبهاني في حاشية المدارك وشرح المفاتيح في المحكيّ عنهم ، فما عن جماعة من المتأخّرين من منع العموم في هذا المفهوم ليس على ما ينبغي.
كما أنّ ما يقال تأييدا لهذا المذهب ـ من أنّ في قوله عليهالسلام : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » عموما من وجوه أربع :
أحدها : في « الماء » والآخر في « الشيء » وهذان عمومان أفراديّان ، والمعنى : كلّ فرد من أفراد الماء وكلّ فرد من أفراد الشيء النجس.
والثالث : في قدر الكرّ.
والرابع : في « لم ينجّسه شيء » وهذان عمومان أحواليّان ، فالأوّل في كيفيّات مقادير الكرّ ومحالّ وقوعه وأنحاء شكله ، والثاني في كيفيّات الملاقاة من العلوّ والتساوي ، وورود الماء على النجاسة أو ورودها عليه ، وأمثال ذلك ممّا يستفاد من عدم التنجيس.
والعموم في « الماء » و « القدر » إطلاقي حكمي ، وفي « الشيء » وضعي حقيقي من باب وقوع النكرة في حيّز النفي فينبغي أن لا يكون في المفهوم عموم باعتبار الشيء.
ليس على ما ينبغي (١) إذ لا مانع من اعتبار العموم الإطلاقي فيه عملا بمقتضى رفع الحكم عمّا ثبت له الحكم في المنطوق ، وهو مفهوم « الشيء » المستلزم لرفعه عن جميع مصاديقه ، وأخذا بموجب السببيّة المستفادة من أداة التعليق القاضية بعاصميّة الكرّ ومانعيّته للماء عن التنجّس الّذي هو في حدّ ذاته قابل له ، كالعموم المستفاد في بعض المقامات عن دليل الحكمة ونحوها ممّا قرّر في محلّه.
وبالتأمّل فيما قرّرناه يتّضح أنّ من جملة ما يجب اتّحاد القضيّتين فيه إنّما هو الكمّ في مثل قوله عليهالسلام : « كلّ حيوان مأكول اللحم يتوضّأ من سؤره ويشرب » (٢) و « كلّ غنم سائمة فيه الزكاة » (٣) ونحوه ممّا اعتبر العموم في جانب محلّ الوصف ، فلا يتمّ المفهوم مفهوما إلاّ إذا اعتبر العموم مع خلاف محلّ الوصف ، فيكون مفاد النفي في المفهوم عموم السلب المعبّر عنه بالسلب الكلّي ، سواء عبّرت عنه بقولك : « لا شيء من غير مأكول اللحم يتوضّأ من
__________________
(١) خبر لقوله : « أمّا ما يقال تأييدا الخ ».
(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٥ والتهذيب ١ : ٢٢٤ و ٢٢٨.
(٣) عوالي اللآلي ١ : ٣٩٨.